
ربما أضحى الحديث عن امتدادات الرشدية في أعمال من تلا أبا الوليد من الأعلام، من الأمور المألوفة بين الرشديين. وليس هذا فحسب، بل أضحى هذا الحديث يظفر في كل مرة بفتح جديد يتمثل في اكتشاف تشابه ما، هذا فضلا عما وفرته كتب السير والطبقات والتراجم، من معطيات جديرة بالعناية والاهتمام، وهي معطيات تتعلق في كثير منها بتلامذة ابن رشد.
وفي هذا السياق، ظهرت مجموعة من الدراسات، حاولت الدفاع عن وجاهة القول باستمرارية وامتداد التأثير الرشدي، استنادا إلى ما توفر لديها من معطيات؛ فبادر الأستاذ المرحوم محمد بن شريفة إلى توثيق هذا الامتداد؛ متحدثا بإسهاب في كتابه: "ابن رشد الحفيد سيرة وثائقية"، عن تلامذة ابن رشد، حيث ذكَر منهم من نبغ في النحو وعلوم اللغة[1]؛ إذ أشار في سياق الحديث عمن نبغ منهم في النحو، إلى أحد أعلام المدرسة النحوية في الأندلس والمغرب، وهو أبو علي الشلوبين[2]، هذا فضلا عن حديثه عن إمامة أبي الوليد، في العلوم الأصيلة والدخيلة[3]. كما كتب الأستاذ المرحوم محمد مساعد، دراسة بعنوان: "ابن رشد والضروري في البلاغة عند حازم القرطاجني"[4]، تحدث فيها عن وجود امتداد للرشدية على مستوى علوم البلاغة والبيان[5]. ثم توالت الدراسات، حتى أضحى الحديث عن حضور الدرس الرشدي، وامتداد توجيهه وتأثيره فيمن تلاه من الأعلام، من الأمور المألوفة والمستساغة.
وفي السياق ذاته؛ أي سياق الاهتمام بامتدادات الرشدية، تأتي هذه الدراسة التي نخصصها للكشف عن مؤشر جديد على وجود امتداد لمنهج ابن رشد في النحو. ونحن ندرك أن هذه الدعوى قد تبدو غريبة، وذلك بالنظر إلى ما ترسخ عن صورة ابن رشد البرهاني، الذي لا همَّ له غير برهان أرسطو. إلا أننا سنحاول قدر الجهد نزع غرابتها، إلى أن تغدو مستساغة لدى المشتغلين بالدراسات الرشدية.
ويتعلق الأمر بتأثير ابن رشد في نحوي أندلسي؛ هو أبو عبد الله السلمي المُرْسي، وذلك بعدما ألفينا أن بين كتاب هذا النحوي الأندلسي؛ وهو كتاب الضوابط الكلية فيما تمس الحاجة إليه من العربية[6]، وبين كتاب ابن رشد الضروري في صناعة النحو[7]، تشابها يصل حد التطابق في جملة من الأمور.
ونريد أن نشير ابتداء، إلى أن الفضل في التعريف بأبي عبد الله المرسي وبأهمية كتابه الضوابط الكلية، إنما يعود بالأساس للأستاذ محمد بن نجم السيالي؛ وذلك بالنظر إلى ما قدمه في دراسته التي مهد بها لتحقيق كتاب الضوابط الكلية، حيث كان سباقا، إلى التعريف بهذا الشخصية الأندلسية، قبل نحو ثلاثة عقود[8].
غير أنه، إذا كان منطق البحث العلمي، يقوم على التراكم والاستدراك المستمر، استنادا إلى تاريخية الدراسات المنجزة؛ فإننا نود أن نؤكد في هذا المقام على أمر مهم، وهو أنه إذا ما جاز لنا أن نتحدث عن استدراك بشأن غياب اسم ابن رشد في الجزء المتعلق بالدراسة من عمل المحقق؛ فلعله سيكون من باب الإنصاف، أن نتحدث عن استدراك على الدراسة لا على منجِزها؛ وذلك لأن خلوها من اسم ابن رشد، لا يمكن أن نرجعه بأي حال من الأحوال إلى تقصير الدارس، بقدر ما نرجعه إلى عاملين اثنين: يتعلق العامل الأول بخلو النص المحقق، أي نص الضوابط الكلية للمرسي، من أي إشارة إلى ابن رشد؛ بينما يتعلق الثاني، بالفاصل الزمني المتمثل في تأخر العثور على كتاب الضروري في صناعة النحو، لأبي الوليد.
وعليه، فإننا سنركز اهتمامنا على نقطتين في هذه الدراسة، تتعلق النقطة الأولى بنهج الاختصار وأساليبه التي تحيل لدى السلمي على برنامج المختصرات لابن رشد؛ بينما تتعلق النقطة الثانية بمنزلة الضابط الكلي والقسمة الحاصرة، لدى كليهما. ونُذكِّر بأن الأمر يتعلق هاهنا بمحاولة اختبار فرضية من الفرضيات القابلة للاختبار. ولم تكن غايتنا من طرق هذا الموضوع أن نتعسف على تاريخ تطور الدرس النحوي في الأندلس، من خلال التشبث بدعوى امتداد الرشدية في التاريخ بعد نكبة ابن رشد، لأننا نرى أن أمر تطور الدرس النحوي، إنما ينبغي أن يترك لأهل الصناعة؛ لذلك فإن ما ندعو إليه قبل أي شيء هو تأمل المؤشرات التي سندلي بها، وحملها على محمل الجد.
1 ـ ما يحيل لدى السلمي على برنامج المختصرات لابن رشد
نود أن نشير ابتداء، إلى أن برنامج ابن رشد في مرحلة المختصرات، تؤشر عليه جملة من المفاهيم التي تؤذن بانتماء مؤلف من مؤلفات ابن رشد إلى مرحلة المختصرات. وبما أن هذا الأمر قد أضحى معروفا لدى المشتغلين في مجال الرشديات؛ انطلاقا من عدة تصنيفات، لعل أبرزها التصنيف الذي قال به جمال الدين العلوي؛ فإننا سنكتفي بإيراد ما لخصه المرحوم محمد مساعد حين أشار إلى ما يحيل على مفهوم الضروري، من الألفاظ التي تقوم مقامه في مشروع ابن رشد، قائلا: «لقد سبق للمرحوم جمال الدين العلوي أن نبه إلى الأهمية القصوى التي يحتلها مفهوم "الضروري" في المشروع الفكري الرشدي من خلال كونه علامة على برنامج المختصرات لدى فيلسوف قرطبة ومراكش. ونحن إذ نصادق على هذه الأهمية، نرى أنه لا بد من الانتباه إلى مجموعة من المفاهيم والألفاظ الأخرى المرافقة لمفهوم الضروري، والتي تشكل مضمونَه وتصوغ مختلف دلالاته، من قبيل: الكلي، والكافي، والواجب، وما لابد منه، أو ما ينبغي، وما يصاحب ذلك من عبارات كالاقتصاد، والإيجاز، والإجمال»[9].
وإذا كان هذا النص قد حاول حصر ما يمكن أن يدخل بوجه من الوجوه ضمن ما يحيل على برنامج المختصرات لدى ابن رشد؛ وكان الأستاذ محمد بن شريفة، قد زاد كلمة «الضروري»، قربا من عنوان كتاب السلمي، حين شرحها بالقول: «وكلمة الضروري التي تبدأ بها[10]؛ معناها القدر الذي لا بد منه والذي تشتد حاجة المتعلم إليه»[11]، باعتبار أن الضروري، هو ما تشتد أو تمس الحاجة إليه؛ فإن ما يبدو لنا ذا أهمية فيما نحن بسبيله، هو أن نكشف عن الأمور التي يمكن اعتبارها مؤشرات دالة على تأثر هذا النحوي الأندلسي بما يمكن اعتباره معجما رشديا؛ استنادا إلى ما يحيل عليه مشروع المختصرات لأبي الوليد.
وقبل أن نبدأ بدلالة عنوان كتاب السلمي، ندلي أولا ببعض ما أدلى به ابن رشد في صلة بالبرنامج المذكور، حيث يقول في مستهل الضروري في صناعة النحو:
«الغرض في هذا القول أن نذكر من علم النحو ما هو كالضروري لمن أراد أن يتكلم على عادة العرب في كلامهم، ويتحرى في ذلك ما هو أقرب إلى الأمر الصناعي، وأسهل تعليما وأشد تحصيلا للمعاني»[12].
وقد اقتضى الأمر من ابن رشد؛ استنادا إلى ما رامه من طلب الاختصار، أن يقتصر في النحو على ما هو ضروري، دون أن «يُعَرِّجَ» على الجزئيات، حيث قال: «ولذلك إذا وجدنا في أمرنا قَولا كليا حاصرا، فَرِحنا به ولم نُعَرِّجْ على الجزئيات. وأيضا فإن الكليات نافعة للتذكر ونافعة للمبتدئ بالنظر في الصناعة؛ لأنه يسهل بذلك عليه علمها. وإن اقتصر عليها كَفَتْهُ» [13].
وإذا نحن تأملنا ما قاله ابن رشد فيما تقدم، سنجد أنه ينشغل أولا وقبل كل شيء بالكليات لا بالجزئيات؛ وهو ما يعني أن كتاب الضروري في صناعة النحو، إنما هو كتاب كليات كما هو الشأن مع كتاب الكليات في الطب، ولا بأس من أن نشير هنا إلى أن ما نعثر عليه في آخر كتاب ابن رشد هو التالي: «تم الكتاب المسمى بالضروري في كليات صناعة النحو»[14].
إن ما أثار انتباهنا هو أن توجيهات ابن رشد المنهجية التي سلف ذكرها، نجدها بكل تفاصيلها في مقدمة أبي عبد الله السُّلَمي المرسي الأندلسي، فيما يدلي به بشأن البواعث التي دعته إلى تأليف كتابه في النحو؛ إذ كان الكتاب نتيجة إلحاح في الطلب من طالب، حيث يقول: «فألفتها على وفق مُراده، تشتمل على ما يحتاج إليه. وما يَقِلُّ دوره لم نُعرِّج عليـــه، لئلا يسأمه الناظر، ويضجر منه الخاطر. وسميتها "الضوابط الكلية فيما تمس الحاجة إليه من العربية"»[15].
إن ما لفت انتباهنا، هو أن السلمي يعلن أن اهتمامه مقتصر على ما هو محْتاج إليه. والمسألة بكل بساطة استنادا إلى معجم ابن رشد الذي أشرنا إليه آنفا، هو أن ما تمس الحاجة إليه هو نفسه الضروري، فيكون بذلك الكتابان يحملان العنوان ذاته؛ لأن الضروري بحسب قصد ابن رشد هو ما تمس الحاجة إليه، وما تمس الحاجة إليه بحسب قصد السلمي هو الضروري، لاسيما إذا ما استحضرنا ما أضافه كل من الأستاذين محمد بن شريفة ومحمد مساعد، إلى قائمة المفاهيم التي قال بها جمال الدين، من ألفاظا ومفاهيم تؤدي المعنى ذاته، من قبيل عبارة ما «تشتد حاجة المتعلم إليه»[16]، وعبارة: «ما لابد منه»[17]، التي تؤدي معنى الضروري في برنامج ابن رشد.
وما يؤشر في تقديرنا على تأثر أبي عبد الله المرسي بابن رشد، هو أنهما قد استعملا الألفاظ ذاتها التي تحيل على النهج المتبع في الاختصار؛ فحيث قال ابن رشد بشأن منهجه المعتمد في التأليف: «لم نعرج على الجزئيات»، سايره السلمي، وجاراه بأن قال: «وما يَقِلُّ دَوْرُه لم نعرج عليه». وذلك أمر مفهوم بحكم أن كتابه إنما هو كتاب كليات لا جزئيات، على اعتبار أن العناية بتحصيل الجزئيات إنما هي دون أهمية الكليات[18]، لأن الجزئيات تحفظ ولا يقاس عليها.
إن ما قاله السلمي يكاد ينطبق حرفيا على ما قاله ابن رشد، إن نقل إن الكلام في تمام المطابقة، وبخاصة من خلال استعمال السلمي لمتوالية الألفاظ التي وظفها ابن رشد، بل وبالترتيب ذاته، من خلال استعمال حرف النفي: «لم»، والفعل مع دلالة المتكلم في صيغة الجمع: «نُعَرِّج»، وكذا حرف الجر: «على»، في قول السلمي: «ما قَلَّ دَوْرُه لم نعرج عليه».
إنه باعتبار أن كتاب السلمي، هو كتاب كليات؛ فإن الجزئيات الشاردة هي في حُكم ما يَقِلُّ دوره في الكتب التي يُعنى أصحابها بإحصاء الكليات. وعلى هذا الأساس تكون مقدمة السلمي بهذا المعنىموافقة تماما لما نهجه ابن رشد في كتابه. ولربما لو أننا عثرنا على المصنَّف النحوي الآخر للسلمي وهو كتاب الكافي في النحو[19]، لأمدنا بصورة أكثر جلاء، عن شكل حضور وامتداد توجيهات ابن رشد لدى هذا النحوي الأندلسي. ولا يخفى أن عنوان كتاب المرسي؛ أي كتاب الكافي في النحو، لا يخلو هو أيضا من دلالة رمزية، قد تحيل من دون أدنى تعسف على برنامج ابن رشد في مرحلة المختصرات؛ وذلك إذا ما اعتبرنا أن ألفاظ الضروري، والكافي، وما لا بد منه، دالة على الشعار الذي أطلقه ابن رشد لإنجاز مختصراته.
وقد لا يكون مستنكرا، من قبل أوساط الرشديين، إن نحن اقترحنا جملة دالة على شعار هذا البرنامج، وهي جملة «ما تمس الحاجة إليه»، التي وردت في عنوان كتاب أبي عبد الله المرسي، لأنها بكل بساطة، جملة شارحة ومتممة في الآن نفسه لحلقات المفاهيم والألفاظ الدالة على ما رامه ابن رشد من الألفاظ ذات الصلة، من قبيل الضروري والكافي، والكلي وغيرها من الألفاظ التي استفتحنا بها هذه الدراسة.
والذي يزكي طرحنا في الدفاع عن إمكان تأثر هذا النحوي بأبي الوليد، هو استغراب من ترجموا له من النحاة والفقهاء، ويبدو استغرابهم طبيعيا بالنظر إلى كون هذا النحوي المرسي، كان على دراية بعلوم الأوائل، إذ يروي السيوطي عن ياقوت الحموي أن السلمي كان «يحل بعض مشكلات إقليدس»[20]؛ ومن ثمة لا يستبعد أن تمتزج علوم الأوائل لديه، بالعلوم التي اشتغل بها؛ إذ تثبت الشذرات التي وصلتنا من تفسيره المسمى بـ" ري الظمآن في تفسير القرآن"، ما يقوي لدينا أنه كان صاحب ارتياض ومشاركة في العلوم العقلية. ويتجلى هذا الأمر، في طريقة استدراكه على الفخر الرازي[21]، بخصوص اعتراض الأخير على النحاة في مسألة تتعلق بتقدير خبر محذوف، في إعراب آية قرآنية[22]؛ حيث يحكي تاج الدين السبكي فحوى اعتراض الرازي بالقول: «واعترض صاحب «المنتخب» تقدير الخبر، فقال: إن كان « لنا» فيكون معنى قوله تعالى: (لا إله إلا هو) معنى قوله: (وإلهكم إله واحد) فيكون تكرارا محضا، وإن كان « في الوجود» كان نفيا لوجود الله، ومعلوم أن نفي الماهية أقوى في التوحيد الصرف من نفي الوجود، فكان إجراء الكلام على ظاهره، والإعراض عن هذا الإضمار أولى»[23].
أما استدراك المرسي على الفخر الرازي، فقد رواه السبكي هو أيضا بأن قال: «وأجاب أبو عبد الله المرسي في « ري الظمآن » فقال: هذا كلام من لا يعرف كلام العرب، فإن (إِلَه) في موضع المبتدأ على قول سيبويه، وعند غيره اسم (لا) وعلى التقديرين فلا بد من خبر للمبتدأ، أو لِــــ«ــلَا»، فما قاله من الاستغناء عن الإضمار فاسد، وأما قوله: «إذا لم يضمر كان نفيا للماهية» فليس بشيء؛ لأن نفي الماهية، هو نفي الوجود، لأن الماهية لا تتصور عندنا إلا مع الوجود، فلا فرق بين لا ماهية ولا وجود»[24].
ولا نريد أن نستطرد في هذا الأمر، فلا استبعاد أن تكون بصمات التكوين النحوي والفلسفي والكلامي، قد تركت أثرها الواضح في إنتاج أبي عبد الله المرسي؛ وذلك على شاكلة ما نلفيه لدى ملهمه أبي الوليد ابن رشد، الذي لا يمكن فصل تواليفه ككل عن مجرى تكوينه الفلسفي والمنطقي، بما في ذلك كتابه بداية المجتهد وكفاية المقتصد، على الرغم من أنه كتاب في الفقه[25].
بل إن الذي يزكي ما نذهب إليه، بخصوص أبي عبد الله المرسي؛ هو حرصه على ترسيخ تكوينه الفلسفي بعد أن ارتحل إلى المشرق[26]؛ إذ يروي الذهبي أن المرسي «قَدِمَ بَغْدَادَ، فَأَقَامَ بِهَا نَحْو عَامَيْنِ يَشتغل بِالعَقْلِيَّات»[27]. ولربما يرجع ذلك إلى كونه لم يتح له التفرغ لقراءة الفلسفة وما يرتبط بها من عقليات، في موطنه الأندلس.
ولا ينبغي أن تثير مسألة تأثر المرسي بأبي الوليد شكوكا، إذ نحن لا نستبعد أن يكون المرسي قد حضر دروس أبي الوليد، لاسيما وأنه كان في سن الخامسة والعشرين زمن وفاة ابن رشد[28]. هذا بالإضافة إلى ما عرف عنه من كثرة الأسفار مغربا ومشرقا مع حرص شديد منه على اقتناء الكتب والعناية بها[29]. ومهما يكن من أمر، فإنه حتى لو لم يكن قد عرف أبا الوليد مباشرة، فقد عرفه عن طريق أستاذه، إذ يروي شمس الدين الذهبي، أن المرسي قال: «قَرَأْت (كِتَاب سِيْبَوَيْه) على أَبِي عَلِيٍّ الشَّلَوْبين جَمِيعَه»[30]. ومن المعلوم أن الشلوبين هو أحد أعلام المدرسة النحوية بالأندلس. والأهم في صلة بما نحن بسبيله، أنه كان تلميذا مباشرا لابن رشد، أخذ عنه النحو بطريق الإجازة[31].
وينبغي أن نشير إلى أن هذه النقطة المتعلقة بوجود تلامذة لابن رشد، قد كانت أساس رد الأستاذ محمد بن شريفة على رينان الذي رأى أن أبا الوليد لم يترك أثرا يذكر فيمن جاء بعده، حيث تصدى الأستاذ بن شريفة إلى تفنيد هذه الدعوى بالقول: «وقد ذهب رينان وغيره إلى أن ابن رشد لم يترك أثرا في مواطنيه، وأنه جُهِل من قِبَل أبناء دينه تماما، ونرى أن في هذا تعميما قابلا للمراجعة»[32].
وإذا كانت المؤشرات قد دلت لدينا على تأثر المرسي بأبي الوليد، وهي مؤشرات قوية ودالة بما يكفي، فإن اعترافه بالتلمذة في النحو على الأستاذ أبي علي الشلوبين، مع ما تأكد من كون الأخير قد كان تلميذا لأبي الوليد، إنما يرفع في تقديرنا، ما تبقى من أسباب الاستغراب بخصوص مسألة تأثر المرسي بأبي الوليد.
ولأننا لا نكتفي في سبيل بناء فروضنا على مجرد الرواية التاريخية مهما بلغت وثاقتها، بقدر ما نعضد ذلك بتصفح الأنسجة العبارية الحاملة لما يمكن اعتباره مؤشرات دالة؛ فإن هذا الأمر قد قادنا إلى تسجيل جملة من الأنسجة العبارية التي نأمل أن تساعدنا على تدعيم هذا الفرض. وقد وقفنا على عينة من كلام السلمي، يجتمع فيها الشبه الأسلوبي بعبارة أبي الوليد مع المنحى المنهجي، وذلك كما هو الشأن في هذا الموضع الذي يتحدث فيه السلمي عن الجمع، إذ يقول: «باب الجمع وهو ينقسم إلى قسمين، جمع تكسير، وهو ما لم يسلم فيه نظم الواحد، بل يُغَيَّرُ إما بزيادة حرف، أو حركة، أو نقصانهما، وله باب سيأتي ذكره فيه. وجمع سلامة، وهو ما سلم فيه نظم واحده»[33].
والذي سنجعله محط اهتمامنا، هو أن السلمي قد قسم الجمع إلى ضربين، فبدأ بحد جمع التكسير، ووعد بتفصيل القول فيه في باب سيأتي ذكره. وما ينبغي استيعابه، هو أن من النحاة من يَفْصل بين أضرب الجمع، إذ يجعل لجمع التكسير بابا، وللسالم بابا؛ وهذا المنهج هو الذي اعتمده ابن رشد والسلمي، كما نجده قبلهما لدى الزجاجي في كتاب الجمل في النحو[34]، على سبيل المثال؛ ومنهم من يجعل للجمع بابا واحدا يستدعي الكلامُ فيه التفصيل بين جمع التكسير وجمع السالم؛ وهذا المنهج على سبيل المثال، هو الذي سلكه المبرد في المقتضب[35]، والزمخشري في كتاب الأنموذج في النحو[36]، وفي كتاب المفصل في علم العربية[37].
وليس هذا التفصيل هو ما يعنينا بالقصد الأول، وإنما الذي يعنينا هو أن التشابه حاصل على مستوى المنهج، وذلك أن طريقة العرض والتقسيم هي واحدة لدى كل منهما. ويظهر هذا بجلاء عند مقارنة الكلام المتقدم للمرسي، بما يدلي به ابن رشد إذ يقول: «وأما شكل الجمع فهو على ضربين: ضرب يتغير فيه شكل الواحد، وهذا تسميه النحاة الجمع المُكَسَّر، لأنه انكسر فيه بناء الواحد، وضرب لا يتغير فيه شكل الواحد بأن تزاد عليه حروف تدل على الجمع وهذا الذي تسميه النحاة جمع المؤنث[38] السالم الذي سلم فيه شكل الواحد. وهذا الشكل هو الذي نذكره في هذا الجزء ونذكر الشكل الآخر في الجزء الرابع من هذا الكتاب لأنه يأتي على ضروب لكن له قياس يذكر بعد»[39].
صحيح أننا قد أشرنا إلى أن من النحاة من يباعد بين باب الجمع السالم وجمع التكسير بعقد أبواب كثيرة بينهما؛ ولكن ما يميز تناول كل من المرسي وابن رشد، هو أنهما قد تناولا منهجيا ضربي الجمع المذكورين، وأشارا بالطريقة ذاتها إلى مسوغات تقديم القول في الجمع السالم، وتأجيل البت في الجمع المنكسر.
والمهم، هو أنهما قد أشارا إلى انتظام بناء الجمع السالم، من خلال اطراد القاعدة الكلية، لأنه بحسبهما يجري على بناء الواحد، بينما تتعدد أبنية جمع التكسير، فلا يكون فيه اطراد، وهو سبب تسميته منكسرا. يقول السلمي بشأن الجمع المنكسر: «وهو الجمع الذي يتغير فيه بناء الواحد بزيادة، أو نقصان، أو تغيُّرِ حركة، أو بجميعها»[40]. ومن المهم أن ننتبه إلى أن اهتمام كل من ابن رشد والسلمي قد تركز أساسا على ما يمكن أن ينضبط على مستوى النحو، للقوانين أو الضوابط الكلية، إذ أن ما لا ينضبط، تقل أهميته بالقياس إلى ما ينضبط.
ولعل هذا هو ما حدا بالسلمي إلى أن يعبر عن تضايقه من تشعب أبنية هذا الضرب من الجمع، وعدم انضباطه لقانون كلي، تضايقا جعل أسلوبه يبدو أقرب ما يكون إلى أسلوب ابن رشد، حيث يقول هذا النحوي عقب حد الجمع المنكسر: «هذا الباب باب طويل غالبه راجع إلى النقل، وأقيسته قليلة، ولا تمس الحاجة إلى أكثره، فلنقتصر منه على النبذة اليسيرة التي لا غنى عنها»[41].
إننا نذهب بإزاء هذا الأمر، إلى اعتبار أن كل من أَلِفَ عبارة ابن رشد، سوف لن يميز في بعض المواضع بين أسلوبه وأسلوب السلمي؛ لاسيما إذا ما تعضد الشبه الأسلوبي بالاتفاق على مستوى الاختيار المنهجي. إننا نجد أشباها ونظائر كثيرة لأسلوب ابن رشد في كتاب الضوابط الكلية للسلمي، كما هو الأمر في حديثه عن باب التصغير، حيث يقول: «وهذا الباب يسميه النحويون باب التصغير، ويسمونه أيضا باب التحقير، وهما بمعنى واحد. والتصغير وصف من جهة المعنى، لأنه بمنزلة الوصف بالصِّغر، ولكنهم استغنوا بصيغ التصغير عن الوصف بالصغر لما في ذلك من الاختصار»[42].
إنها ببساطة، روح المشروع الرشدي تسري في هذا النوع من التعليل النحوي أسلوبا وغاية؛ وهي روح تتمثل من جهة الغاية في الالتفات إلى المعنى المقصود من دراسة الظاهرة النحوية، عوض الاكتفاء بإيرادها وفق تسميتها المتعارف عليها بين جمهور النحاة.
لقد كان هذا المبدأ هو الأساس الذي احتكم إليه ابن رشد في استبعاد المقدمة المنطقية أثناء اختصاره لمستصفى أبي حامد الغزالي، وهو مبدأ يقوم على استبعاد ما ليس بضروري، أو ما لا تمس الحاجة إليه في علم من العلوم. إنه مبدأ ارتبط بابن رشد، إذ يقول في كتاب الضروري في أصول الفقه: « وأبو حامد قدم قبل ذلك مقدمة منطقية زعم أنه أداه إلى القول في ذلك نظر المتكلمين في هذه الصناعة في أمور ما منطقية، كنظرهم في حد العلم وغير ذلك. ونحن فلنترك كل شيء إلى موضعه، فإن من رام أن يتعلم أشياء أكثر من واحد في وقت واحد لم يمكنه أن يتعلم ولا واحدا منها»[43].
وكما فَعَّل ابن رشد هذا المبدأ في تعامله مع المقدمة المنطقية، فقد فعله أيضا مع كل ما لا يليق بأصول الفقه من دقيق الكلام. ولا بأس من أن نشير إلى عينة من تعامل ابن رشد بالحذف والتشذيب مع المضامين الكلامية، التي سبق لأبي حامد الغزالي أن ضمنها مستصفاه. والذي يجب استيعابه هو أن ابن رشد، قد عبر عن تضايقه من المضامين الكلامية من خلال صيغتين أسلوبيتين، برر بهما إقدامه على حذف هذه المضامين: أسلوب عبر فيه عن إعراضه عن الانخراط في بسط هذه المعاني، وذلك بحجة أنها من علم الكلام؛ وأسلوب عبربه عن كون الموضوع ليس من علم الأصول. مثال الأسلوب الأول، قوله: «وتثبيت هذا في علم الكلام»[44]؛ وقوله كذلك: «القول في إثبات هذه الصفة وتخليصها من غيرها من الصفات هو من علم الكلام»[45]. وأما الأسلوب الثاني، فمثل قوله: «والقول في هذه المسألة ليس من هذا العلم الذي نحن بسبيله»[46]. وقوله كذلك: «وهذا كله ليس من هذا العلم»[47]. أو قوله: «والكلام في هذه المسألة ليس من هذا العلم الذي نحن بسبيله»[48].
ولأننا نذهب إلى القول بتأثر المرسي بأبي الوليد بن رشد؛ فنحن لا نستغرب إذن، من أن نجد هذا المبدأ التشذيبي الرشدي، قد تم تفعيله بوضوح تام من قبل المرسي بشأن رفضه لما لا تمس الحاجة إليه مما يتعلق بـ«الإمالة» في علم النحو، حيث يقول: «وهذا ما يتعلق بالنحو من هذا الباب. وللقراء في الإمالة مذاهب تتعلق بالقراءات ليس هذا موضع إيرادها، فإنها بكتب القراءة أليق، وهذا القدر للمشتغل بالعربية كاف»[49].
ولا يتعلق الأمر بشاهد عابر، بل إننا نجد أن السلمي قد لجأ إلى هذه الآلية في مواضع أخرى من الكتاب، كما هو الشأن في باب النَّسَب، حيث يقول: «وقد جاء في النسب أشياء مُغَيَّرَةٌ خارجة عن القياس فتُحفظ ولا يقاس عليها، قالوا في النسب إلى الدَّهر: دُهْرِيٌّ، بضم الدال، وإلى السَّهل: سُهلِيٌّ، بضم السين، وإلى مَرْو: مَرْوِيٌّ. وهي جملة أسماء لا حاجة إلى حصرها فإنها من باب اللغةِ لا النحوِ»[50].
ولما كان الحذف التشذيبي في نهج الاختصار لدى كليهما، والتفاتهما إلى المعنى على عادة المناطقة، قد استدعى منهما خروجا عن معتاد النحاة؛ فقد دعا كل منهما قارئ كتابه إلى تفهم أمر الخروج عن المألوف في التصنيف والتأليف، وهذا ما عبر عنه ابن رشد بالقول: «ومن وقف على ما كتبناه في ذلك وكان من أهل الإنصاف ظهر له أن المسلك الذي سلكناه في تفهيم هذا الجزء وحصر معانيه هو أدخل في الأمر الصناعي وأضبط في باب المعاني مما جرت به عادة النحاة في ذلك على ما شرطناه في أول هذا الكتاب. ولكن ربما عابه قوم لمفارقة المعتاد، وأنكروه لما في طبيعة الأقاويل المشهورة من الاستعباد. وربما قالوا: خلط صناعة المنطق بصناعة النحو، وهذا كله جهل بالطريق الصناعي»[51].
ولا نكاد نجد اختلافا بين ما أدلى به ابن رشد، وما أدلى به السلمي لاحقا، إذ قال الأخير متحدثا عن أوراقه النحوية التي ألفها: «ولعل من يقف عليها ويرى فيها إخلالا ببعض القيود، ونقوضا واردة على آحاد العقود، يظن ذلك لجهل مصنفها، وقلة معرفة مؤلفها، ولا يعلم أن ذلك لقلة الاحتياج إليه في الأعم الأغلب»[52]. ولعل ما تحدث عنه السلمي من اعتراف بوجود إخلال ببعض القيود، هو ما حدا بتقي الدين الفاسي إلى وصف مصنفاته ومباحثه بالعجيبة والغريبة[53]. غير أن ما يشفع له عند نحاة عصره وفقهائه أنه لم يكن محسوبا على الفلاسفة، بل كان يعد من زمرة النحاة والمفسرين، ولو لم يكن محصنا بانتمائه العلمي للعلوم المعتبرة لدى الفقهاء، لطاله التشنيع.
وأما بشأن استيفاء مُصنّفَيهما لما تمس الحاجة إليه مما هو ضروري في الصناعة النحوية، على صِغَرِ حجم المصنَّفين قياسا بالمطولات التي يستفيض فيها النحاة في عرض قضاياهم، فيقول ابن رشد: «ومن وقف على هذه القوانين وفهم انحصار الكلام فيها وكان من أهل صناعة النحو أمكنه أن يأتي بتفاصيلها من كتب النحاة وأن يحصر فيها ما افترق في كتبهم»[54]. وهذا النوع من التسويغ هو بالذات ما عبر عنه السُّلَمي بوضوح، حيث قال: «على أن ما اشتملت عليه هذه الأوراق القليلة، لا يوجد أكثره في المصنفات الكبيرة الجليلة. ولن يعرف لها قدرها (...) إلا من اطلع على المصنفات الكثيرة من هذه الصناعة»[55].
ظاهر إذن، أن كلا من ابن رشد والسلمي، يعتدان بنهجهما المتمثل في الميل إلى الإيجازوالاختصار. وربما كان استدراك السلمي على ابن السيد البطليوسي، بدافع ميل السلمي إلى الذهاب في تفعيل هذا المنهج إلى أبعد مدى. ويقوم أساس هذا المنهج على إبداء التضايق من الاستطراد في ذكر التفاصيل البعيدة، وذلك بغرض جعل الضوابط الكلية حاصرة لجزئيات كثيرة، لذلك نجده يقول بشأن «ما»: «واعلم أن لـ«ما» في لسان العرب تسعة مواضع، خمسةٌ منها تكون فيها اسما، وأربعةٌ منها تكون حرفا»[56]. ووجه تفضيله الاختصار، أنه علق على ابن السيد البطليوسي بخصوص تكثير معاني «ما» حرفية كانت أو اسمية، بالقول: «وقد بَلَّغ مواضعها ابن السيد الطليوسي من أصحابنا إلى نيف وثلاثين موضعا. وهي في الحقيقة راجعة إلى ما ذكرنا»[57]. ولئن كان هذا الرد خاصا في ظاهره بالبطليوسي، فهو رد ضمني على كل من يميل من النحاة إلى تكثير معاني ما يروم شرحه، وتشعيب القول فيه من دون طائل.
2 ـ منزلة الضابط الكلي والقسمة الحاصرة
لقد كان عنوان كتاب السلمي هو الباعث الأساس لإقدامنا على عقد المقارنة بينه وبين كتاب الضروري في صناعة النحو لابن رشد. وإذا كان العنوان بكامل تفاصيله قد استوقفنا، فإن ما سنحرص عليه في هذا الموضع من العمل، هو مفهوم الضوابط الكلية، في عبارة عنوان كتاب السلمي: «الضوابط الكلية فيما تمس الحاجة إليه من العربية».
ونريد أن نشير في هذا السياق، إلى أن جمال الدين العلوي، كان قد انتبه في وقت مبكر إلى أهمية الضابط الكلي، وذلك في سياق حديثه في "المتن الرشدي" عن كتاب بداية المجتهد، حيث ذهب إلى: «أن كتاب البداية ليس كتاب فروع، وأن الغرض منه هو رفع مستوى القول الفقهي من النظر في الجزئيات التي لا تنتهي إلى الوقوف على الأصول الضابطة للجزئيات»[58]؛ مؤكدا في الآن ذاته، على أن اهتمام ابن رشد بالكلي في هذا الكتاب، يفوق اهتمامه به، في الكتاب الذي يحمل عنوان الكلي، وهو كتاب الكليات في الطب[59].
ولا بد من الإشارة هنا إلى دقة ملاحظة الأستاذ جمال الدين، لأنه يكفي أن نورد هنا ما يدلي به ابن رشد، في مصنفه الفقهي، حتى يظهر لنا ظهورا بينا مدى ما يوليه فيلسوفنا للضوابط الكلية، في هذا الكتاب. يقول ابن رشد في تقدير بيع السَّلم:
« وينبغي أن تعلم أن التقدير في السَّلَم يكون بالوزن فيما يمكن فيه الوزن، وبالكيل فيما يمكن فيه الكيل، وبالذرع فيما يمكن فيه الذرع، وبالعدد فيما يمكن فيه العدد. وإن لم يكن فيه أحد هذه التقديرات انضبط بالصفات المقصودة من الجنس مع ذكر الجنس إن كان أنواعا مختلفة، أو مع تركه إن كان نوعا واحدا»[60]. كما يقول في الباب ذاته، بشأن اهتمامه بالضوابط الكلية للشريعة: «وقصدنا من هذه المسائل إنما هو الأصول الضابطة للشريعة لا إحصاء الفروع، لأن ذلك غير منحصر»[61].ويضيفقائلا في سبب اختلاف أهل الاجتهاد،في محل السَّلم وشرطه: «فسبب اختلافهم شيئان: أحدهما تعارض الآثار في هذا المعنى، والثاني تردد الحيوان بين أن يضبط بالصفة أو لا يضبط، فمن نظر إلى تباين الحيوان في الخلق والصفات وبخاصة صفات النفس قال: لا تنضبط؛ ومن نظر إلى تشابهها قال: تنضبط»[62].كما ذهب بخصوص انضباط الصداق بالعوض المُعَيَّن، إلى القول: «وأما صفة الصداق فإنهم اتفقوا على انعقاد النكاح على العوض المعين الموصوف، أعني المنضبط جنسه وقدره بالوصف»[63].
وعلى كل، فالشواهد في هذا الباب كثيرة[64]، وما أدلينا به من هذا المؤلَّف الفقهي لأبي الوليد؛ إنما أردنا أن نؤكد من خلاله على أن انشغال ابن رشد بالضوابط الكلية، لم يكن مقتصرا على النحو، أو الفقه، ولا كذلك على إحصاء كليات الطب الضابطة؛ وإنما كان انشغالا أصيلا في تفكير فيلسوفنا، يغطي أجناس القول التي اشتغل بها أو يكاد.
وعليه، فإنه إذا مانحن تركنا هذا المصنف الفقهي جانبا، وتوجهنا إلى كتاب الضروري في صناعة النحو، فإننا نجد أن ابن رشد، كان قد بادر قبل المرسي إلى الإعلان صراحة عن الاهتمام بصوغ القوانين أو الضوابط الكلية في صناعة النحو، ويدل على ذلك قوله: «وإذا تقرر هذا فظاهر هذه الصناعة يعطي الكليات والقوانين بأسبابها التي يَقدِر بها الإنسان أن ينطق بأشكال ألفاظها التي جرت عادة أهل ذلك اللسان أن ينطقوا بها، إما لسان العرب وإما غيره من الألسنة. وأعني بالكليات والقوانين أقاويل عامة يُعرف بها جزئيات كثيرة»[65]. بل إننا نجد أن ابن رشد ليرتقي بمفهوم الكلي، إلى أن يجعل منه عصب الصناعة النحوية وجوهرها، إذ يقول: «فإن الصناعة هي التي تحيط بأمور كلية يصل بها الإنسان إلى معرفة الغرض المطلوب بتلك الصناعة»[66].
لقد كان هذا هو مبتغى ابن رشد وطموحه من وراء تأليف هذا الكتاب، وهو طموح صرح به حين رام إحصاءالعلامات الكلية للإعراب، حيث قال: «ونحن نروم أن يكون لنا ذلك بهذه الصناعة، وذلك بأن يكون عندنا فيها ثلاث علامات كلية في كلام كلام هي الموجِبة لصنف الإعراب الموجود في ذلك الكلام»[67]. ولا نريد أن نستطرد في هذه النقطة، إذ أن التركيز على الضابط الكلي في كتاب الضروري في صناعة النحو، لم يكن رهين المقدمات العامة التي تصدر بها الكتاب، وإنما تواتر التأكيد عليه من خلال حضوره في مجمل أبوابه وفصوله[68]. وما قد يثير الدهشة، هو أن ابن رشد يصل به الأمر حد إبداء الفرح عند توفقه في حصر كلية من الكليات، حيث يعبر عن هذا الاحتفاء والفرح بالقول: «ولذلك إذا وجدنا في أمرنا قَولا كليا حاصرا فَرِحنا به ولم نُعَرِّجْ على الجزئيات»[69].
ولعله في صلة بمفهوم الكلي، يمكن الحديث عن القسمة الحاصرة. والغرض المقصود من القسمة الحاصرة كما استعملها كل من ابن رشد والسلمي، هو ضبط موضوعات النحو وقضاياه ضبطا تاما، من خلال حصر الظاهرة النحوية، وذلك من قبيل حصر ما يُبنى وما يُعرب في قسمة الألفاظ. وقد عقد السلمي للإعراب والبناء بابا، اهتم في أغلب أقسامه بالقسمة الحاصرة[70].
ويكفي أن ندلي بما يؤكد على حرص أبي عبد الله المرسي، في ضوابطه الكلية على هذا الأمر، من خلال الإشارة إلى قوله التالي: «هذا حصر علامات الإعراب في الأسماء والأفعال، وحصل من ذلك أن العلامات تسع من غير تكرار: ثلاث حركات: وهي الضمة، والفتحة، والكسرة. وأربعة أحرف: وهي الألف، والواو، والياء، والنون، وسكون، وحذف. وهو حذف أحد الحروف الأربعة»[71].
إن كل الاهتمام الذي أبداه السلمي، بخصوص القسمة الحاصرة إنما هو في تقديرنا ناتج عن تأثره الواضح بأبي الوليد. وليس فيما ذهبنا إليه أي مبالغة؛ وذلك أننا نشير في اتصال بهذه النقطة، إلى أن ابن رشد إذ تحدث عن تقصير من سبقوه من النحاة، ربطه بغياب هذا الاتمام في أعمالهم، حيث قال: « والتقصير أنهم لم يستعملوا في إحصاء أنواع الإعراب القسمة الصحيحة التي لا يعرض فيها تداخل»[72]. ومن المعلوم لدى المشتغلين بالحدود، أن القسمة التي لا يَعْرِض فيها تداخل، هي القسمة الحاصرة.
بل إن القسمة الحاصرة كانت في تصور ابن رشد، هي الشرط الأساس لجعل النحو صناعة، هذا فضلا عن كونها قد شكلت الدافع الأساس من وراء الإقدام على التأليف في النحو، كما يصرح هو نفسه بذلك، إذ يقول: «وكل صناعة لم تُستعمل فيها بَعْدُ القسمة الحاصرة الغير متداخلة فهي صناعة ناقصة. وهذا هو السبب الذي دعانا إلى وضع شيء في هذه الصناعة»[73].
لقد كان تركيز ابن رشد على ضرورة حصر أنواع الإعراب مثيرا للانتباه، بل إننا قد لا نجد هذا الاهتمام يتسم بالحضور القوي إلا في كتاب الضروري في صناعة النحو لابن رشد، وبعده في كتاب الضوابط الكلية للمرسي. ولعل ما يزيد من تشبثنا بهذا الفرض، هو أن الاهتمام بحصر ظواهر الإعراب، قد ارتبط رأسا بالقصد من تأليف الكتاب، حيث يقول ابن رشد: «فنحن نروم في هذه الصناعة أن نحصي أصناف إعراب الأسماء المعربة والأفعال من هذه الجهة؛ لتحصل لنا من ذلك أنواع الإعراب تحصيلا صناعيا، فإن حَصْرَ الأنواع من قِبل أسبابها وموادها، أو ما يجري منها مجرى الأسباب، فهو الحصر الصناعي وذلك أن لكل صنف من الأقاويل صنفا أو أصنافا مخصوصة من الإعراب، وفي كل صنف منها معنى أو لفظ يقتضي ذلك النوع من الإعراب»[74].
ولعل ما يجعلنا نؤكد على تأثر السلمي بأبي الوليد فضلا عما أشرنا إليه من نقط التطابق، هو أن كتاب الضوابط الكلية، يخلو من الإشارة إلى بابين من أبواب النحو، هما: باب التنازع وباب الاشتغال؛ ومن المعلوم أن ابن رشد لم يُعَرِّج على هذين البابين في كتابه. ولا بد من التذكير بأن أسباب إقصاء هذين البابين راجع إلى أنهما ليسا مما تمس الحاجة إليه، وما لا تمس الحاجة إليه لم يعرجا عليه، كما مر بنا من كلامهما.
إننا نذهب بإزاء تظافر المؤشرات الأسلوبية والمنهجية، إلى أنه لا يمكن أن تكون كل هذه الأشباه والنظائر، مجرد مصادفات، بقدر ما نرى أنها مؤشراتالدالة بما يكفي على تأثر المرسي بأبي الوليد.
خـــاتمة
ليس بالأمر الخفي إذن، أن ثمة ما يسمح لنا بافتراض وجود تأثير قوي، مارسه كتاب الضروري في صناعة النحو على اللاحقين من النحاة. وإذا كان من سبقنا قد دلل على وجود هذا التأثير، من خلال النماذج التي اشتغل عليها، مدعما بذلك فرضية استمرار تلقي توجيهات ابن رشد إنْ في حقل النحو، أو في حقول معرفية مجاورة؛ فإن ما قمنا به نحن، هو تأكيدنا، على تأثر واحد من كبار النحاة والأدباء والمفسرين، وهو أبو عبد الله السلمي المرسي.
ولأننا لا نعرف مقدار التأثير الذي مارسه ابن رشد على لاحقيه من نحاة الأندلس والمغرب؛ فإن كل ما أمكننا قوله: هو أن البحث يجب أن يظل مستمرا عن نصوص جديدة، إذ أن من شأن استمرارية البحثأن تقودنا إلى حقائق مذهلة في هذا الاتجاه؛ وذلك لأن الحقائق إنما تكون سليلة البحث المستمر عن مقدار شعاع هذاالانتشار. إنكل هذا يدعونا إلى القول بنبرة متفائلة: إن ما قدمه الباحثون في مجال الرشديات وأبرزوه في أعمالهم المختلفة، وكذا ما قدمناه في هذه الدراسة، إنما هو دال بما يكفي لبعث الأمل، وللبحث بقية.
إحالات:
[1] - محمد بن شريفة، ابن رشد الحفيد سيرة وثائقية، ط. 1، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، المغرب، 1999، ص. 242 - 243.
[2] - نفسه، ص. 243.
[3] - محمد بن شريفة، ظهور تأليفين لابن رشد الحفيد، مجلة أكاديمية المملكة، ع. 19، سنة: 2002، ص. 195.
[4] - محمد مساعد، ابن رشد والضروري في البلاغة لدى حازم القرطاجني، مجلة الصورة، س. 1، ع. 1، 1998.
[5] - كانت هذه الدراسة بمثابة استئناف للنظر فيما ذهب إليه كل من الحبيب بلخوجة، وجابر عصفور، وسعد مصلوح، انظر هوامش الدراسة: م. ن، الهامش رقم: 1، ص. 77.
[6] - أبو عبد الله السلمي، مع تحقيق كتابه الضوابط الكلية فيما تمس الحاجة إليه من العربية، تحقيق. محمد بن نجم بن عواض السيالي، رسالة مقدمة لنيل رسالة الماجستير في اللغة العربية، إشراف الدكتور محمد بن إبراهيم البنا، فرع اللغة العربية، كلية اللغة العربية، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، 1990.
[7]- ابن رشد، الضروري في صناعة النحو، ابن رشد، الضروري في صناعة النحو، تحقيق. باب ولد هارون ولد الشيخ سيدي، ط 1، الشركة الأفريقية للطباعة والنشر القرطاسية، نواكشوط، موريتانيا، 2000.
[8] - يقول السيالي في مقدمة التحقيق: «ولَمَّا لَمْ أرَ مَنْ تناول حياة هذا العَلَم بالدرس، ولا شيئا من آثاره؛ رأيت أن يكون موضوع بحثي لنيل درجة الماجستير هو "أبو عبد الله السُّلَمي مع تحقيق كتابه الضوابط الكلية فيما تَمَس الحاجة إليه من العربية"» محمد بن نجم بن عواض السيالي، مقدمة تحقيق كتاب الضوابط الكلية، م.م، ص. «أ».
[9] - محمد مساعد، «الغزالي والضروري في مراتب التصديق عند ابن رشد»، مجلة الصورة، ع. 3، س. 3، 2001، ص. 46.
[10]- يقصد كتب ابن رشد الأربعة التي تحمل عنوان الضروري، وهي: الضروري في أصول الفقه، والضروري في المنطق، والضروري في السياسة، والضروري في صناعة النحو.
[11] - محمد بن شريفة، ظهور تأليفين لابن رشد الحفيد، م. م، ص. 195.
[12] - ابن رشد، الضروري في صناعة النحو، م. م، ص. 26.
[13] - نفسه، ص. 76.
[14] - نفسه، ص. 143.
[15] -أبو عبد الله السلمي المُرْسِي، الضوابط الكلية فيما تمس الحاجة إليه من العربية، تحقيق. محمد بن نجم بن عواض السيالي، رسالة مقدمة لنيل رسالة الماجستير في اللغة العربية، إشراف الدكتور محمد بن إبراهيم البنا، فرع اللغة العربية، كلية اللغة العربية، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، 1990، ص. 1- 2.
[16] - محمد بن شريفة، ظهور تأليفين لابن رشد الحفيد، م. م، ص. 195.
[17] - محمد مساعد، «الغزالي والضروري في مراتب التصديق عند ابن رشد»، م. م، ص. 46.
[18] - لا يعرج ابن رشد على الجزئيات إلا نادرا، ومن أساليبه في التعقيب على ما لا يخضع من ظواهر النحو لضابط كلي، ما يقوله بشأن بعض صيغ الأمر الشاذة: «وهذه ألفاظ تحفظ ولا يقاس عليها» ابن رشد، الضروري في صناعة النحو، م. م، ص. 119.
[19] - ذكر السيوطي عن الفاسي، أن له بالإضافة إلى هذا الكتاب، كتابا آخر هو: «الكافي في النحو، وله التعاليق الرائقة في كل فن» جلال الدين السيوطي، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، تحقيق. محمد أبو الفضل إبراهيم، ط. 1، مطبعة عيسى البابي الحلبي، 1964، ج. 1، ص. 145. ذكر له الفاسي: «الضوابط الكلية في علم العربية، وكتاب الكافي في النحو، في غاية الحسن»، تقي الدين محمد بن أحمد الحسني الفاسي المكي، العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، تحقيق. محمد حامد الفقي، ط. 2، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، 1986، ج. 2، ص. 82. يقول في حقه: «المتصرف أحسن التصريف في كل فن. أصله من مرسية من بلاد الأندلس، لم يزل مشتغلا من صغره إلى كبره» العقد الثمين، م. ن، ص. 83.
[20] - السيوطي، بغية الوعاة، م. م، ص. 145.
[21] - لا يوحي كلام تاج الدين السبكي، أن رد الفخر الرازي على النحاة، كان في كتاب منتخب المحصول في علم الأصول، وإنما يتحدث عن اعتراض صاحب المنتخب. بينما يقول تاج الدين، مؤيدا الشك الذي أبداه ابن الرفعة بشأن نسبة الكتاب إلى الفخر الرازي: «قلت: وقد أجاد في قوله «المعزى لابن الخطيب» لأن كثيرا من الناس ذكروا أنه لبعض تلامذة الإمام، لا للإمام» تاج الدين السبكي (ت 771 ه)، طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق. عبد الفتاح محمد الحلو ومحمود محمد الطناحي، الطبعة السادسة، دار إحياء الكتب العربية، 1964، ج. 8، 94. غير أن اسم الرازي واضح بما يكفي في واجهة مخطوطة "منتخب المحصول في علم الأصول"، وهي: مخطوطة المكتبة الأزهرية، رقم: 175. وفضلا عن ذلك، فقد ورد في الورقة الأولى من بداية نص المخطوطة، القول التالي: «قال الشيخ الإمام العالم فخر الدين محمد بن عمر الرازي، رحمة الله عليه: هذا مختصر في أصول الفقه، انتخبته من كتاب المحصول». وهو ما يقوي حجة القائلين بكون الكتاب إنما هو للفخر الرازي، لا لأحد تلامذته.
[22] - أورد تاج الدين السبكي، تقدير النحاة الذي كان محل اعتراض من الفخر الرازي، كالتالي: «قال النحاة في إعراب قوله تعالى: (لا إله إلا هو) من قوله تعالى: (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو): إن (إله) في موضع رفع مبني على الابتداء، والخبر محذوف، أي: «لنا»، أو « موجود» تاج الدين السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، م. ن، ص. 71.
[23]- نفسه، ص. 71.
[24]- نفسه، ج 8، ص. 71.
[25] - يذهب جمال الدين العلوي، إلى «أن نظر ابن رشد إلى النسق الفقهي لا يختلف عن نظره إلى الأنساق العلمية والفلسفية»، العلوي جمال الدين، المتن الرشدي مدخل لقراءة جديدة، دار توبقال، ط. 1، الدار البيضاء، 1986، ص. 183.
[26]- يروي معاصر أبي عبد الله المرسي، ياقوت الحموي، أن المرسي «خرج من بلاد المغرب سنة سبع وستمائة» ياقوت الحموي، معجم الأدباء: إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، تحقيق. إحسان عباس، ط. 1، دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان، 1993، الجزء السادس، ص. 2546.
[27]- شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، تحقيق: بشار عواد معروف ومحيي هلال سرحان، ط. 1، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، 1985، ج. 23، ص. 317.
[28]- روى عنه معاصره، ياقوت الحموي، قوله: «أخبرني أن مولده بمرسية سنة سبعين وخمسمائة» ياقوت الحموي، معجم الأدباء، م. م، ص. 2546.
[29]- محمد نجم السيالي، قسم الدراسة من العمل،م.م، ص. 28-29.
[30]- الذهبي، سير أعلام النبلاء، م. م، ج. 23، ص. 316-317. كما روي أيضا أنه «أخذ العربية عن الشلوبين، بحثا ومدارسة» عبد الباقي بن عبد المجيد اليماني (ت 743 هـ)، إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين، تحقيق. عبد المجيد دياب، ط 1، شركة الطباعة العربية السعودية، الرياض، 1986، ص. 319. وانظر أيضا: محمد بن نجم السيالي، م. م، ص. 25.
[31] - انظر: ابن عبد الملك المراكشي، الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، حققه وعلق عليه: إحسان عباس ومحمد بن شريفة وبشار عواد معروف، ط. 1، دار الغرب الإسلامي، تونس، 2012، المجلد 3، ص. 385. وانظر كذلك: محمد بن شريفة، ابن رشد الحفيد سيرة وثائقية، م. م، ص. 243.
[32] - نفسه، ص. 243-244.
[33] - الضوابط الكلية، م. م، ص. 27.
[34] -انظر: باب التثنية والجمع، ص. 9، وباب جمع المكسر، ص. 370. أبو القاسم الزجاجي، كتاب الجمل في النحو، تحقيق. علي توفيق الحمد، ط. 1، مؤسسة الرسالة، بيروت، دار الأمل، إربد- الأردن، 1984.
[35] - المبرد، المقتضب، م. م، ج 3، ص. 327.
[36] - الزمخشري، الأنموذج في النحو، ط. 1، نظارة المعارف، مطبعة الجوائب، قسطنطينية، 1298، ص. 91.
[37] - الزمخشري، المفصل في علم العربية، دراسة وتحقيق. فخر صالح قدارة، ط. 1، دار عمار، عمان- الأردن، 2004، ص. 174.
[38] - لعل كلمة مؤنث سبق قلم من الناسخ، لأن القاعدة تنطبق على المذكر والمؤنث. وما يرجح ما اقترحناه، هو أن ابن رشد يقول بعد فقرة من هذه الفقرة، وفي الصفحة ذاتها: «وشكل الجمع السالم يكون في الواحد» الضروري، نشرة ولد هارون، م. ن، ص. 52.
[39] - ابن رشد، الضروري في صناعة النحو، م. م، ص. 52.
[40] - الضوابط الكلية، م. م، ص. 285.
[41] - الضوابط الكلية، ص. 285.
[42] - نفسه، ص. 275.
[43] - ابن رشد، الضروري في أصول الفقه أو مختصر المستصفى، تحقيق جمال الدين العلوي، ط. 1، دار الغرب الإسلامي، بيروت- لبنان، 1992، ص. 37-38.
[44]- نفسه، ص. 51.
[45]- نفسه، ص. 63.
[46]- نفسه، ص. 42.
[47]- نفسه، ص. 42.
[48]- نفسه، ص. 45.
[49] - المرسي، الضوابط الكلية، م. م، ص. 312.
[50] - نفسه، ص. 274.
[51] - ابن رشد، الضروري في صناعة النحو، م. م، ص. 142.
[52]- المرسي، الضوابط الكلية، م. ن، ص. 2.
[53] - يقول الفاسي: «وله المباحث العجيبة والتصانيف الغريبة» تقي الدين الفاسي، العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين،م.م، ج. 2، ص. 83.
[54]- ابن رشد، الضروري في صناعة النحو، م. م، ص. 142.
[55]- الضوابط الكلية، م. م، ص. 2.
[56] - الضوابط الكلية، ص. 298.
[57] - نفسه، ص. 300.
[58]- جمال الدين العلوي، المتن الرشدي مدخل لقراءة جديدة، م. م، ص. 183.
[59]- نفسه، ص. 184.
[60] - ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تحقيق. علي محمد عوض وعادل أحمد عبد الباسط، ط. 4، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، 2010، ص. 602.
[61] - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ص. 600.
[62] - نفسه، ص. 600.
[63]- نفسه، ص. 451.
[64]- يقول ابن رشد في محل السلم: «ومنها أن يكون مقدرا إما بالكيل أو بالوزن أو بالعدد إن كان مما شأنه أن يلحقه التقدير، أو منضبطا بالصفة إن كان مما المقصود منه الصفة» بداية المجتهد، م.ن، ص. 600. ويقول في الباب نفسه بشأن محل السلم وشرطه: «والجمهور على أنه جائز في العروض التي تنضبط بالصفة والعدد. واختلفوا من ذلك فيما ينضبط مما لا ينضبط بالصفة» م. ن، ص. 599.
[65] - ابن رشد، الضروري في صناعة النحو، م. م، ص. 27.
[66] - م. ن، ص. 27.
[67] - م. ن، ص. 74.
[68] - يقول ابن رشد مؤكدا على هذا المبدأ: «ونحن نريد أن يكون إحصاؤنا لذلك أولا بأقاويل كلية، أعني في غاية ما يمكننا من العموم لكي يمكن لمن أراد أن يصير بعد ذلك إلى تفصيل كلية من تلك الكليات إلى أنواعها الأخيرة وخواصها اللازمة، وذلك لمن أراد أن يستوفي أجزاء هذه الصناعة؛ فإنا نرى أن كل صناعة يوجد فيها هذان الجنسان من الأقاويل، فإن الترتيب الصناعي فيها يقتضي هذه القسمة، أعني أن يُبدأ أولا بتعلم الكليات المحيطة بالمطلوبات في تلك الصناعة إما بأقويل كثيرة أو ضرورية؛ ثم يصير بعد ذلك مَن أحب الاستقصاء إلى تفصيل تلك الكليات إلى أنواعها الأخيرة، واستثناء ما يجب استثناؤه من الأمور النادرة، إن كان ذلك موجودا فيها، أعني في تلك القوانين الكلية» الضروري في صناعة النحو، ص. 76.
[69] - نفسه، ص. 76.
[70]- يصرح السلمي بذكر عبارة «حصر» في تعريف أغلب الأبواب، يقول في أقسام الإعراب: «السابع حصر أقسام الإعراب والبناء، ومنه تتبين ألقابها» الضوابط الكلية، م. م، ص. 9. وقال في باب المعربات: «العاشر حصر أقسام المعربات من الأسماء» م. ن، ص. 9. كما قال في باب أقسام المعربات: «الحادي عشر حصر أقسام المعربات من الأفعال» م. ن، ص. 9.
[71]- السلمي، الضوابط الكلية، م. ن، ص. 19.
[72]- ابن رشد، الضروري في صناعة النحو، م. م، ص. 75.
[73]- نفسه، ص. 75.
[74]-نفسه، ص. 75.

كاتب الموضوع : مصطفى السعيدي
أستاذ الفلسفة الإسلامية، جامعة عبد المالك السعدي - تطوان