
قام مركز روافد للدراسات والابحاث في حضارة المغرب وتراث المتوسط- كما هو دأبه كل سنة- بتنظيم الورشة الدولية الخامسة لعلم المخطوط والنشر النقدي للنصوص، في موضوع:
"قراءة المخطوط المغربي والأندلسي؛ العدة والمنهج (الرموز والأرقام وعلامات الترقيم) "
والتي يعقدها بشراكة مع مشروع Corpus Coranicum بألمانيا، ومعهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان بمصر، أيام: 06 /07 /08 ماي 2025 بمدينة فاس - المملكة المغربية.
وتعتبر هذه الورشة ملتقى متميزا للباحثين الجادين، ومناسبة علمية استثنائية تجمع الخبراء والأساتذة الباحثين من شتى أصقاع العالم، همُّهم العناية بالمخطوط دراسة وتحقيقا وفهما، وهي فرصة هامة للمهتمين بقضايا التحقيق لطرح إشكالاتهم العلمية، وتبادل التجارب والخبرات في هذا الباب.
وقد اختير موضوع الورشة بعناية فائقة، نظرا لكون الاهتمام بالرموز والأرقام وعلامات الترقيم في المخطوطات المغربية والأندلسية يُعد من أسس الاهتمام بالدرس الكوديكولوجي العربي، وهو مجال لا يزال يحتاج إلى مزيد عناية وفحص وتقعيد، انطلاقا من المخطوطات نفسها.
وقد استمرت الورشة لثلاثة أيام متواصلة، عاش فيها المشاركون متعة التحصيل، وفرحة الاستزادة من لذة هذا العلم، حيث انطلق اليوم الأول، ومعه انطلقت فعاليات الورشة.

كان أولها تنظيم حفل استقبال على شرف المشاركين والضيوف، سبقته كلمات ترحيبية لكل من رئيس مركز روافد للدراسات والأبحاث والمشرف العام على الورشة الأستاذ الدكتور عزيز أبو شرع تحدث فيها عن سياق تنظيم هذه الورشة، وعن جدية المحاضرين والحاضرين فيها، كما قدم شكره للأساتذة، وللفريق العلمي الاستشاري والتنظيمي كل باسمه وصفته، وكذا لمنسقي الورشة الدكتور المختار شاكر والدكتور مراد تدغوت، و لكل من كانت له يد فضل في إنجاح واستمرارية هذه الورشات بشكل سنوي. تلتها كلمة للدكتور مراد تدغوت، وهو باحث متخصص في المخطوط العربي والترجمة من دولة ألمانيا، والذي تحدث عن سعادته الغامرة بالحضور لهذا الملتقى العلمي المتميز، وتشرفه بتنسيقه، ثم انتقلت الكلمة لمدير البحوث بمشروع Corpus Coranicum الألماني الدكتور Michael Max،والذي بيّن أهمية الشراكة التي تربط مركز روافد بالمشروع، وإمكانات التعاون المتاحة مستقبلا، ثم ختم الأمين العام لمعهد الدراسات الشرقية للآباء الدومينيكان، الدكتور Jean Durel الكلمات الترحيبية بالتأكيد على أهمية موضوع هذه الورشة، وعلى راهنيته واستحقاقه للبحث، وقد كانت هذه الجلسة الأولى برئاسة وتقديم الأستاذ الدكتور مصطفى السعيدي.


بعد هذا مباشرة، قدم العلامة المحقق والبحاثة المدقق الأستاذ الدكتور أحمد شوقي بنبين مدير الخزانة الملكية بالرباط محاضرة افتتاحية جامعة مانعة، وطأ بها أنشطة هذه الورشة، وكانت بعنوان "الاستشراق العلمي ومسألة التراث العربي المخطوط" وفيها نبه إلى ضرورة التمييز بين المستشرقين المغترضين والمستشرقين الذين همهم البحث العلمي الرزين، وقد عدَّدَ أسماء كثير منهم، وبيّن ما أسهموا به من جهود كبيرة خدمة للتراث العربي المخطوط، وهي جهود لا ينكرها إلا جاحد أو جاهل، وقد راموا الانتقال بالاستشراق من النزعة اللاهوتية إلى النزعة العلمية، فنتج عن الاستشراق العلمي مجموعة من الفوائد كفَكِّ رموز الكتابة الهيروغليفية والسومرية، وإنتاج دائرة المعارف الإسلامية وغيرها من الأمور التي ألمع إليها، وقد ترأس هذه الجلسة الدكتور محمد الأشقر.

ثم قام بعد هذا الدكتور Michael Marx بتقديم محاضرة بعنوان:
« How to write the text of the Quraān?About the consonantal text in manuscripts from the 7th century and in the scholarity Tradition»
وفي هذه المحاضرة القيمة، تحدث عن مشروعه العلمي، والذي يروم دراسة النسخ المخطوطة من القرءان الكريم في القرنين الأول والثاني الهجري، مع بيان بعض الملاحظات والأسئلة حولها، وتولى تسيير هذه الجلسة الدكتور مراد تدغوت.

بعد ذلك قام الدكتور Jean Druel ، الأمين العام لمعهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان بمصر، بتقديم محاضرة بعنوان :
« Les signes de collation dans le codex milano-tatare du Kitab de Sibawayh : le cas du ġayn »
وفيها تحدث عن تجربته مع مخطوطات الكتاب لسيبويه، والتي رافقته لأكثر من عشر سنوات، وبيّن بعض ما اكتشفه أثناء هذا البحث المضني والملازمة الدائمة للكتاب، وقدَّم هذه الجلسة الدكتور مصطفى السعيدي، وتم فتح باب النقاش بعد كلا المحاضرتين، حيث اغتنم الحاضرون الفرصة للتعقيب والتساؤل والاستشكال.

وتجدر الإشارة إلى أنه بعد الانتهاء من هذه المحاضرات النظرية، نُظمت زيارة لخزانة القرويين قصد الاطلاع على بعض الذخائر التي تزخر بها واستكشاف هذه المعلمة الفريدة المتميزة، وقد أشرف على هذه الورشة وتقديم الشروحات والتوضيحات الأستاذ أبو بكر جعوان وهو نائب محافظ الخزانة، وكان نِعم الشارح والمجيب، وبهذا أسدل الستار على أنشطة اليوم الأول.


وأستهل اليوم الثاني بمحاضرتين نظريتين، الأولى من تقديم الدكتور Michael Max، بعنوان :
« Some remarks about the historical development of reading signs (dabt) in manuscripts in the east and west »
حيث ترأس الجلسة الدكتور محمد مستقيم، والثانية من تقديم الدكتور ابراهيم أزوغ، بعنوان : «من مشكلات قراءة المخطوط المغربي الأندلسي في رسم الحروف والرموز والأرقام» وكانت تحت رئاسة الدكتور لحسن المؤدن.


تلى هذه المحاضرات النظرية ورشات تطبيقية أربع، حيث اطلع فيها الحاضرون بشكل عملي على بعض أسرار الصنعة، ونهلوا من تجارب مَن خبروا الاشتغال بعلم المخطوطات، وأفنوا أعمارهم في حل ألغازها ومشكلها. وهذه الورشات تنوعت بين من ناقش "الرموز في المخطوطات المغربية/الأندلسية من حيث الطبيعة والوظائف" وبين من ناقش "الأرقام في المخطوطات المغربية/الأندلسية من حيث الأنواع والأشكال".
وقد تم إنجاز هاتين الورشتين في اليوم الثاني، وأشرف على تأطيرها ثلة من الأساتذة الفضلاء وهم: الأستاذ الدكتور ابراهيم أزوغ، والأستاذ الدكتور أحمد إيشرخان، والأستاذ الدكتور مراد تدغوت، وكذا الأستاذ الدكتور حسن عماري.



أما اليوم الثالث فقد حمل معه الورشتين التطبيقيتين المتبقيتين الأولى بعنوان: "الأرقام في التواريخ في المخطوطات المغربية/الأندلسية: أنواعها وصيغها" والأخيرة "علامات الترقيم في المخطوطات المغربية/الأندلسية" وكانا من تأطير الأساتذة إبراهيم أزوغ، ومراد تدغوت وحسن عماري.
وفي خضم هذه الورشات النافعة، جرت نقاشات عميقة مهمة بين المؤطرين والمستفيدين، كما تم الاطلاع على نماذج وصور لمخطوطات اشتملت على هذه العلامات والأرقام والحروف، وتم العمل على استنباط معانيها، والتدرب على التعامل معها، وفك ما استعصى منها.



بعد كل هذه الجهود الجبارة، والورشات والمحاضرات، استوى هذا النشاط على سوقه، وبلغ مقصوده وغايته، وهي جمع المهتمين والعلماء والباحثين وإعطاء الفرصة لهم للتشاور والتبادل وخلق الشراكات البحثية النافعة الخادمة للمخطوطات وللتراث العربي عموما.
يلزم الإلماع أخيرا إلى أن الجلسة الختامية قد عقدت مباشرة بعد الانتهاء من الورشات التطبيقية، وفيها قدمت كلمات مقتضبة من جانب الأساتذة المؤطرين، وكذا الباحثين المستفيدين من الورشة، وتم فيها تسليم شواهد المشاركة ودرع مركز روافد لخدمة التراث، وقد ضرب المنظمون موعدا مع الورشة السادسة بشراكات جديدة، وبنفس جديد ومواضيع مستجدة.

