نظم مركز روافد للدراسات والأبحاث في حضارة المغرب وتراث المتوسط، بتعاون مع مركز لندن للاستشارات والدراسات والتدريب، دورة تدريبية دولية في تحقيق النصوص وعلم المخطوط بالعاصمة العلمية للمملكة المغربية؛ مدينة فاس.
أطر الدورة أساتذة وباحثون خبراء، راكموا خبرة كبيرة في هذا المجال؛ تأليفاً وتدريساً، وإشرافاً وتدريباً.
وتدخل هذه الدورة في إطار الأهداف الكبرى لمركز روافد للدراسات والأبحاث، الذي وضع برنامجاً طموحاً لخدمة التراث العربي المخطوط، وإطلاق مشاريع وأبحاث حوله؛ دراسةً وتحقيقاً وفهماً وتأويلاً، إنها رؤية طموحة لربط تاريخنا الثقافي بواقعنا المعاصر وحياتنا اليومية المعاشة.
وقد انتظمت أعمال الدورة في شقين اثنين: الأول يخص الجانب النظري، وفيه تم تقديم عدة أبحاث ومحاضرات لنخبة من الباحثين الأكاديميين، وخصص الثاني للورشات التطبيقية أطرها عددٌ من الأساتذة والباحثين والمكتبيين.
انطلقت أشغال الدورة يوم الجمعة 20 أبريل بجلسة افتتاحية قدم فيها الدكتور عزيز أبو شرع؛ أستاذ الفكر الإسلامي بجامعة ابن طفيل، ومدير مركز روافد للدراسات والأبحاث، عرضاً عن الأهداف، والتي يشغل فيها تحقيقُ التراث ودراسته حيزاً هاماً، مبرزاً أهمية انعقاد أول دورة تدريبية دولية ينظمها مركز مغربي متخصص، وتعرف إقبالا من داخل المغرب، ومن دول عربية شقيقة.
أشار الدكتور أبو شرع؛ الذي ركم تجربة سنوات من العمل مع المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي، إلى أهمية الربط بين الاشتغال على النشرات النقدية للتراث العربي، وآليات القراءة التأويلية التي تلازم كل عملية نظر في النص؛ مخطوطاً كان أو مطبوعاً، مما يكون له تداعيات على الواقع الذي نعيشه.
ثم تناول الكلمة الدكتور عبد الله الرشدي؛ أستاذ اللغة العربية، بمؤسسة دار الحديث الحسنية، جامعة القرويين، استعرض فيها الأهداف العلمية للدورة، وأهم المحاور المقصودة بالدرس خلال الأيام الثلاثة، مبرزاً أن الهيكل العام للتكوين تم وضعه بعناية فائقة، مع مراعاة حاجيات المستهدفين، وأكد الدكتور الرشدي أن ذلك تمت مناقشته مع المؤطرين منذ البداية حتى تُحقق الدورةُ أهدافها. ولم تفته الإشارة إلى أن الدورة قد وضعت منذ البداية على رأس اهتماماتها مشاركة متخصصين كبار من خارج المغرب، وعلى رأسهم السيد الفاضل الدكتور فيصل الحفيان، مدير معهد المخطوطات العربية بالقاهرة، إلا أن ظروفا قاهرة حالت دون حضوره لأعمال الدورة.
اليوم الأول: الجمعة 20 أبريل 2018
· الفترة الصباحية
استهلت أشغال الدورة بمحاضرة افتتاحية للعالم المغربي الدكتور أحمد شوقي بنبين؛ مدير الخزانة الملكية بالرباط، بعنوان: " دور علم المخطوط في عملية التحقيق العلمي"، تناول فيها بالدرس والتحليل ضرورة العناية بعلم المخطوط كمقدمة أساسية للتحقيق العلمي الجاد، وأكد الدكتور الفاضل؛ رائد علم الكوديكولوجيا في العالم العربي، على وجوب الالتفات إلى هذا العلم، واستثمار معارفه في عملية التحقيق العلمي، منبهاً إلى أهمية المعلومات التي يقدمها الجانب المادي في المخطوط في عملية تقويم النص وصيانته؛ بداية من قيمة المعلومة التاريخية التي تعطي فكرة عن تاريخ النسخ، مرورا بالمعلومات التوثيقية المتعلقة بالعنوان ونسبة الكتاب إلى مؤلفه، وصولاً إلى داخل النص ذاته الذي تقدم لنا خوارجه وعلامات ترقيمه إضافات ومرجحات شتى في عملية ضبط النص.
وقد توسع الأستاذ بنبين؛ ذو المؤلفات العديدة في مجال المخطوط العربي، في إبراز الدور الذي يقدمه تاريخ النص في انتقاء النسخ الجيدة والأقرب إلى الجودة؛ لاسيما في حالات يكون فيها المحقق أمام كم هائل من المخطوطات التي لا تجمع على كثير من العبارات والسياقات.
واختتم الدكتور بنبين محاضرته بالتحذير من مطبة الإقدام على التحقيق من قبل المبتدئين الذين تنقصهم العدة المعرفية والمنهجية اللازمة، منبها إلى أن هذا الأمر هو الذي كلف، ولا يزال يكلف، إعادة تحقيق النص نفسه مرات عديدة، مع ما يصاحب ذلك من سوء الأدب مع التراث، والإخلال مع واجب الأمانة.
وتولى إلقاء المحاضرة الثانية للفترة الصباحية، الدكتور خالد زهري الباحث بالخزانة الملكية، تحت عنوان: " المعطيات الكوديكولوجيا ودورها في عملية التحقيق العلمي " وهو عرض تطبيقي قدم من خلاله نماذج من مخطوطات متعددة ومختلفة من حيث التاريخ والمعلومات التي تحملها، وهي المعطيات التي يلزم استصحابها في أي تحقيق علمي منشود، كما أكد على ذلك الدكتور خالد.
· الفترة المسائية: نشاط علمي برحاب القرويين
بعد استقبال المشاركين بخزانة القرويين، والتعرف على مرافقها، قدم السيد محافظ الخزانة الأستاذ عبد الفتاح بوكشوف عرضاً عن تاريخ الخزانة التي ركم بها ملوكُ المغرب وعلماؤه عبر التاريخ، مخطوطاتٍ نادرة ونفيسةً، لا زال الكثير منها يحمل تحبيساتهم وشهادات تملكاتهم.
انتهت أشغال اليوم الأول للدورة بمحاضرة بعنوان: "عيار التحقيق العلمي"، ألقاها الدكتور إبراهيم أزوغ؛ الخبير في المخطوطات المغربية، والأستاذ بجامعة فاس، تناول فيها أهم ما يتأسس عليه التحقيق العلمي أو ما أسماه بعدة المحقق، وقد حصرها الدكتور إبراهيم في جانبيا اثنين:
o الجانب الأول : المؤهلات الجبلية (الفطرية) وتتجلي في:
- القدرة البدنية،
- الصدق والأمانة،
- البر والأناة،
- قوة التمييز والنقد،
o الجانب الثاني: المؤهلات العلمية المكتسبة، وتتجسد في:
- معرفة علم المخطوط،
- التخصص في العلم المراد التحقيق فيه،
- التمرس على قراءة المخطوط،
- الاطلاع على التاريخ والسير والتراجم والجغرافيا،
- التضلع في اللغة العربية وآدابها،
- معرفة مصادر البحث.
اليوم الثاني: السبت 21 أبريل 2018
· الفترة الصباحية
استأنفت الدورة أعمالها في اليوم الثاني بمحاضرة الدكتور مصطفى الطوبي؛ أستاذ بجامعة ابن زهر بأكادير، وباحث بالخزانة الملكية بالرباط، وعنوانها: " علم المخطوط في العالم العربي وقضية المنهج "، تطرق فيها إلى الإطار المعرفي لعلم المخطوطات في العالم العربي من خلال مقترحات عدد من الباحثين العرب.
ثم تصدى للأزمة الإبسيتيمولوجية التي جثمت على بعض هذه المقترحات العلمية، إذ إن أغلبها منسلك في المعرفة المشتتة في الزمن والمكان، وقدم بهذا الخصوص تصورات بعض الباحثين المتأرجحة بين علم المخطوطات، والفيلولوجيا، والباليوغرافيا، والفهرسة، وتحقيق التراث، الأمر الذي يجعلنا أمام ملحمة المخطوط العربي، ثم إنه انتهى في محاضرته بتوضيح الحفر باعتباره عنصرا نظريا ومنهجيا يمكن أن يستوعب علم المخطوطات في بعديه التقني والنسقي، وهو ما كان دافع عنه في كتابه: "من أجل دراسة حفرية للمخطوط العربي ..:"، الصادر بالقاهرة عن مركز نجيبويه سنة 2010، ومقالات أخرى في مجلات عربية متخصصة من ضمنها مجلة معهد المخطوطات العربية بالقاهرة
المحاضرة الثانية في الفترة الصباحية ألقاها الدكتور طارق طاطمي؛ أستاذ بمؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط، بعنوان: "الدراسات النقدية للكتب التراثية؛ أعلام ونماذج"، تصدى فيها للتعريف بأمر موازٍ لعملية التحقيق والتأكيد على أهميته، ألا وهو نقد التحقيق أو القراءة النقدية للأعمال المحققة، وذلك ببيان مفهومه وأصوله، معرجاً في محاضرته على ذكر الأعلام البارزين الذين مثّلوا له وأسهموا في إحيائه وتأصيله، كما عرض الدكتور طارق إلى أهم رواد هذه القراءة النقدية، ممن اشتهر في قطر معين، وطار ذكرهم كل مطار، خاصة القطر العراقي والمصري والشامي والمغربي، مع ذكر بعض أعمالهم، وإيراد أمثلة عنها وملامحها المنهجية العامة.
· الفترة المسائية
بدأت الفترة المسائية بجلسة علمية ألقى فيها الدكتور عبد الله الرشدي؛ أستاذ بمؤسسة دار الحديث الحسنية، محاضرة بعنوان: " التحقيق والقراءة "
تلتها ورشة تطبيقية خصصت لموضوع: "جمع النسخ والمقابلة وصنعة الهوامش والتعليقات "، أطرها أساتذة باحثون؛ الدكتور البشير التهالي أستاذ بجامعة ابن زهر بأكادير، والدكتور طارق طاطمي، والدكتور حسن عماري أستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، والدكتور رشيد كناني أستاذ بأكاديمية جهة سوس. وقد ركز السادة الأساتذة المؤطرون لهذه الورشة على تلقين الباحثين المستفيدين جملةً من الأمور المتعلقة بالخطوة الأولى في عملية التحقيق، وهي جمع النسخ والمقابلة بينها قصد ترميم النص المحقق وتصحيح ما سقط أو تعذر ت قراءته في النسخة الأم، إضافة إلى التعليق على النص الذي يتطلب دربة ودراية بمعارف شتى يتطلبها النص موضوع التحقيق.
اليوم الثالث: الأحد 22 أبريل 2018
· الفترة الصباحية
بدأت أشغال الدورة في يومها الأخير بمحاضرة ألقاها الأستاذ إبراهيم أزوغ بعنوان: " الترقيم وأنواع الخطوط والرموز في المخطوط العربي "، استهلها بتعريف الفكر الذي هو نشاط ذهني يتحول إلى رموز تدل على المحتوى، وقد عرض لكثير من الرموز ترد في الكتاب المخطوط وتخص الخط العربي، كما أشار الدكتور إبراهيم إلى الأرقام في الكتاب المخطوط "حساب الجمل"، مبيناً أن لكل نوع من الحرف رموزا رقمية، إضافة إلى رموز أخرى التي قد تؤرخ لبعض المخطوطات، أو تكون عبارة عن أرقام كما في المنظومات.
وختم المحاضر ورقته بتوصيات، أبرزها دعوته إلى الحرص على توثيق وتصحيح المخطوطات وتلقيها على أكثر من عالم. ومن أهم ما يوثق المخطوطات، قراءتها على مؤلفيها. كما نبه إلى ضرورة الاهتمام بالسند.
أما المحاضرة الثانية في الفترة الصباحية فقد تكفل بإلقائها الأستاذ مصطفى الطوبي، قدم فيها خطاطة أولية لعلاقة نقد النصوص بتحقيق التراث، بين من خلالها إجرائية معايير النقد من أجل بناء الشجرة النسبية للمخطوطات Stemma التي اعتبرها ضرورية وضرورية جدا لصنع مادة التحقيق Apparat critique ، وبين الأستاذ مصطفى أن دون هذه الأمور سنكون فقط بإزاء معايير ذوقية في تنصيب رتبية النسخ، العمل الجوهري في الفيلولوجيا. منبهاً على أن الفصول المألوفة التي اجترها فقهاء تحقيق التراث في العالم العربي، والمنصبة على تحقيق عنوان الكتاب، والتأكد من نسبة الكتاب إلى صاحبة، وتحقيق المتن، هي قشور فقط، ولا علاقة لها بالممارسة المنهجية في تنخيل مادة التحقيق، والتي هي ممارسة نقدية بالأساس، وقدم نموذجاً على هذه الممارسة هو نظرية الأخطاء المشتركة التي يمكن أن تجعل نسخة حديثة أوثق من أخرى أقدم منها بيد أن الوسائط بين النسختين مختلفتان.
· الفترة المسائية
شهدت الفترة المسائية آخر ورشة تلقى فيها المكوَّنون دروسا تطبيقية في موضوع: " التقديم والدراسة وصناعة الفهارس والكشافات"، أطرها السادة الأساتذة: الدكتور حسن عماري، والدكتور البشير التهالي، والأستاذة نزهة بن سعدون؛ رئيسة قسم المخطوطات بالمكتبة الوطنية للملكة المغربية، ثم الدكتور رشيد كناني.
وختمت حلقات الدورة، بمحاضرة للأستاذ أحمد شحلان؛ كبير الباحثين في التراث العبري في العالم العربي، قدم فيها عرضاً حول تجربته في تحقيق المخطوطات العبرية، وخاصة تلك التي تتضمن نصوصا عربية لفلاسفة مسلمين؛ كالغزالي وابن رشد.
وهي تجربة فريدة وخدمة كبيرة للتراث العربي الإسلامي، إذ هي في الواقع استرجاع لنصوص قد تكون أحيانا مفقودة في الأصل العربي، مثل الضروري في السياسة لابن رشد، وكتاب الأخلاق لأريسطو، بشرح ابن رشد نفسه، والذي لا توجد منه إلا نسخة عربية واحدة مخرومة ونالت منها السنون. استطاع الدكتور شحلان استرجاع النص العربي باعتماد مخطوطات عبرية. وهذا المجال، بالرغم من كثرة المخطوطات فيه، إلا أن الباحث العربي لم يعطه ما يستحقه من الاهتمام، وبقي في منأى عن انشغالات المحققين.
وبهذه التجربة الغنية للدكتور أحمد شحلان مع المخطوط العبري، انتهت أشغال الدورة وتم توزيع شهادات المشاركة على المشاركين.
بقي أن نشير إلى أنه، على هامش أشغال الدورة، تم توقيع كتاب الدكتور عبد الله الرشدي الصادر عن مركز روافد للدراسات والأبحاث، بعنوان: " نحو بناء مدخل منهجي نقدي لتحقيق النص التراثي؛ مقاربة نظرية تطبيقية "، من تقديم الدكتور الفاضل فيصل الحفيان، مدير معهد المخطوطات العربية بالقاهرة.
أروى عبد الواحد
منذ 8 أشهر
السلام عليكم أنا طالبة سنة اولى ماجستير آثار اسلامية و اود المشاركة في هذه الدورة و شكرا