Rawafid center

يوم دراسي في موضوع: قراءة في كتاب: ابن رشد والفلسفة العربية الإسلامية؛ نحو قراءة مغايرة، تأليف محمد مساعد

1674 مشاهدة
ابن رشد والفلسفة العربية

نظمت المدرسة العليا للأساتذة بمكناس، بشراكة مع مركز الدراسات الرشدية ومركز ورافد للدراسات والأبحاث، وبتنسيق مع فريق البحث في الفلسفة والتربية وعلوم الإنسان، ومختبر علوم التربية والفلسفة والإنسانيات، يوما دراسيا: قراءة في كتاب ابن رشد والفلسفة العربية الإسلامية: نحو قراءة مغايرة؛ من تأليف الأستاذ محمد مساعد، وجمع ومراجعة وتقديم: حاتم أمزيل ومحمد لشقر، وذلك يوم الأربعاء 20 دجنبر 2023، ابتداءً من الساعة 10 صباحا بقاعة الندوات بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس.

وقد قسم اليوم الدراسي إلى جلستين:

انطلق فعاليات هذا اليوم الدراسي بجلسة افتتاحية، ترأسها الأستاذ توفيق فائزي؛ منسق شعبة الفلسفة بالمدرسة العليا للأساتذة - مكناس، رحب فيها بالأساتذة المشاركين وبالحضور الكريم وطلبة المدرسة. ثم ألقى رئيس المدرسة العليا للأساتذة كلمته الترحيبية، ليعطي الكلمة لمدير مختبر علوم التربية والفلسفة والإنسانيات ومنسق فريق البحث في الفلسفة والتربية وعلوم الإنسان، ومدير مركز روافد للدراسات والأبحاث بوصفه ناشر الكتاب.

قراءة في كتاب ابن رشد زالفلسفة العربية

بعد استراحة قصيرة، افتتحت أعمال الجلسة الثانية بتسيير الأستاذ توفيق فائزي؛ منسق شعبة الفلسفة بالمدرسة العليا، والتي أحال فيها الكلمة على الأساتذة المحاضرين والمشاركين في أعمال الندوة، والتي كانت عبارة عن مداخلات حول الكتاب والمشاريع الفكرية الثاوية فيه، والتي تفضل بإلقائها السادة الأساتذة:

  • المداخلة الأولى: الأستاذ الهادي قيوع - المدرسة العليا للأساتذة - مكناس.

استهل الأستاذ مداخلته بشكر الباحثين محمد لشقر وحاتم أمزيل، وعدّ ما قاما به فضيلة فكرية؛ تكمن في الاعتراف بمكانة الراحل في البحث العلمي عامة، والبحث الفلسفي خاصة، وحفظ إرثه العلمي والتعريف به وإشاعته خصوصا لدى الأجيال الجديدة من الطلبة والمهتمين بالفلسفة عموما، وتجسيدا في نفس الوقت لمقولة ابن رشد: "وذلك لأن القدماء يتنزلون من المحدثين منزلة الآباء من الأبناء". 

لينتقل للحديث عن دواعي مشاركته في هذا اليوم الدراسي الذي خصص لعلم من أعلام الرشدية بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس، ومركز الدراسات الرشدية بفاس، مؤكدا على أن زاوية النظر إلى أعمال الراحل ذاتية؛ تتمثل في شهادة طالب بأستاذه، لينتقل إلى صياغة إشكالية ورقته النحو الآتي: "كيف نقرأ أعمال المرحوم مساعد؟"، مؤكدا أن الإجابة في اعتقاده تكمن في العلاقة التي ربطت المرحوم بالفلسفة الإسلامية، وابن رشد تحديدا من جهة، ومن جهة أخرى تصوره لتاريخ الفلسفة.

لقد بنى المرحوم محمد مساعد، حسب الأستاذ الهادي قيوع، أسس تصوره لتاريخ الفلسفة على مصادرة تنفي فكرة التقدم عن النظر الفلسفي، كما يصرح بذلك في كتابه: "بين مثابتين: منزلة الغزالي في فلسفة ابن رشد"، وكذا في مقالة يتضمنها كتاب "ابن رشد والفلسفة العربية الإسلامية: نحو قراءة مغايرة"، وهي المقالة الأخيرة بعنوان: "ابن رشد، الشمولية وإعادة بناء الذات". وهي المصادرة التي ينتج عنها احتفاظ ابن رشد وكامل مفكري الإسلام بكامل راهنتيهم؛ كما أكد على ذلك المرحوم مساعد: "يحتفظ ابن رشد وباقي فلاسفة الإسلام بكامل التألق والأصالة التي يحظى بهما أكثر فلاسفة الأزمنة الحديثة والمعاصرة، تألقا وبريقا وإثارة للاهتمام".

تصطدم قراءة المرحوم مساعد لابن رشد بقراءة أخرى تقر براهنية ابن رشد والغزالي وباقي فلاسفة الإسلام، وتلتمس فيه الحل لمشاكل عصرنا. يكمن جوهر الخلاف بين هذه القراءات، حسب الأستاذ الهادي قيوع، "في العلاقة الممكنة بين هذا التراث لا مع التراث ذاته"؛ وهي علاقة فلسفية تحرر المتن الرشدي من الضلال الأيديولوجي على حد قول جمال الدين العلوي، الذي وقعت فيه القراءة الأخرى، والذي اتخذ، حسب الأستاذ الهادي قيوم "أشكالا مختلفة، حيث يمكن أن يتمظهر على شكل صراع تأويلات بين الباحثين في الفلسفة الإسلامية على شكل ثنائيات متقابلة: ظلامي/ متنور-، التعصف/ الفتور-، العرقية/ الكونية-، التقدمية/ السلفية-،...إلخ". وهو ما جعله يرفض "أغلب القراءات المتداولة عن مكانة الغزالي وابن رشد مثلا، ويصنفها ويشير إلى أعلامها تصريحا لا تلميحا؛ كمحمد عابد الجابري، وطيب تيزيني، وحسين مروة، وحسن حنفي، وأبو يعرب المرزوقي، وطه عبد الرحمان ... إلخ".

إن القراءة الفلسفية التي قام بها المرحوم مساعد لابن رشد، لا تروم الانتصار لأي شعار رفعه دارسو ابن رشد المعاصرون؛ مثل العقل، والعلم، والعلمانية، والمادية والتقدمية، بقدر ما تروم "الانتصار للفلسفة ذاتها". وهو ما لا يتأتى إلا بالانطلاق من المتن أولا؛ عبر الفحص الفيلولوجي الذي يجعل القول في الفلسفة الإسلامية قابلا للاستدراك. إن الانطلاق من المتن والاعتماد على الفحص الفيلولوجي هو ما حصن المرحوم مجاهد من السقوط في منزلقات القراءات الأخرى لابن رشد.

لكن إذا كان المرحوم مساعد ينفي فكرة التقدم عن النظر الفلسفي، فإن السؤال الذي يمكن إثارته هو: "كيف يمكن رسم صورة واضحة عن الفلسفة الإسلامية راهنا؟ أي كيف نقرأ هذه الفلسفة؟ رغم نفي المرحوم مساعد فكرة التقدم عن النظر الفلسفي، إلا أنه يقر "بإمكانية رصد لحظات تطور في فكر أي فيلسوف؛ فمثلا في الرشدية، يبحث مراحل تشكلها وتطورها، وينقب في أصولها وأسسها لدى أسلاف فيلسوف قرطبة، بل وعن امتداداتها واستمراريتها لا في الفلسفة وحسب، وإنما في النحو والفقه وغير ذلك". ولتجاوز التناقضات التي يمكن أن يطرحها هذا الأمر، كان لزاما، حسب الأستاذ الهادي قيوع، البحث عن مفهوم يرفع به هذه التناقضات، والذي لا يمكن أن يكون "سوى مفهوم المنزلة.

لا يقصد الأستاذ مساعد بالمنزلة البحث عن منزلة الفيلسوف؛ "تصنيف الفلاسفة تراتبيا من الأدنى إلى الأعلى قيمة وتأثيرا والبحث عن الأجدر بتمثيل الفلسفة". وهو ما سقطت فيه القراءات السابقة للرشدية التي نجدها تبحث عن الكتابات التي "تمثل الرشدية الحقة، وعن أي فيلسوف يعبر عن أصالة الفلسفة الإسلامية"، وهو ما رفضه المرحوم مساعد، واتجه صوب "تحديد دقيق وحصر مهمته في الحيز الذي تشغله الفلسفة الإسلامية كما وكيفا في النظر الفلسفي". وهو ما يتطلبه منه "أولا تحديد مكانة فلاسفة الإسلام في التراث الفلسفي الإسلامي ذاته؛ لذا نفهم اهتمامه بالكندي والفارابي وابن سينا والغزالي وغيرهم، لا باعتبارهم روافد تصب كلها في دلتا ابن رشد كما نقرأ في تقديم الأستاذين، ومن ثم اعتبار الرشدية تتويجا لمسار علاقة المسلمين بالفلسفة أو بفهم كيفية تشكل الرشدية فحسب، وإنما فيما نرى استراتيجية في القراءة تروم التحرر من الأفق الكوسمولوجي الذي حكم القراءات التي يستبعدها هذا التراث". والمرحوم مساعد بهذا يرفض كل قراءة انتقائية للتراث مدافعا عن قيمة جميع النصوص وأهمية جميع الفلاسفة دون تفاضل ولا تراتبية ولا أفضلية لهذا النص عن باقي النصوص؛ لأن هذه القراءة من شأنها "تعميق الجهل بالذات، وموقعتها خارج التاريخ من حيث تأتي أصداء الدعوة إلى تجاوز التأخر التاريخي".

يخلص الأستاذ الهادي قيوع إلى أن "النظرة التفاضلية والتراتبية إلى فلاسفة الإسلام وترتيبهم من حيث القيمة والأهمية، وتحديد ما ينبغي الارتباط بهم ومن ينبغي هجرانهم والقطع معهم، أو انتقاء نصوص بعينها ترسخ في واقع الأمر نظرة قديمة من حيث تزعم تقديم خطاب حداثي وقراءة معاصرة. إن قراءة مساعد توظف عناصر بسيطة وواضحة، وتعد بنتائج عظيمة، وإن كان يعي بأنها لن تتحقق قيد حياته إلا أنها على الأقل خَلَّصَت البحث في الفلسفة الإسلامية من ردود الأفعال تجاه النظرة الاستشراقية والنظرة السلفية، أو ما يمكن أن نسميه بالسلفية التقدمية. فكل القراءات السابقة تقود في نهاية المطاف إلى التشظي والتمزق، وإن كانت تدعي الدفاع عن الذات واعادة ترميمها".

  • المداخلة الثانية: الأستاذ أبو حفص، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة مولاي اسماعيل - مكناس.

استهل الأستاذ محمد أبو حفص مداخلته بتحديد محاور عرضه في ثلاثة نقط:

1.           شهادة في حق المرحوم مساعد الذي غادرنا في أوج عطائه.

2.           بعض الاستنتاجات والخلاصات التي يمكن أن يستخلصها الدارسُ من المقالات الثاوية في كتاب "ابن رشد والفلسفة العربية الإسلامية: نحو قراءة مغايرة".

3.           تقاسم بعض الملاحظات والإشارات مع الأستاذين محمد لشقر وحاتم أمزيل لما ورد في تقديمهما للعمل.

استهل الأستاذ أبو حفص شهادته بالاعتراف بأنَّ المرحوم محمد مساعد يعتبر من الباحثين المختصين بالفلسفة العربية الإسلامية، كما عرفه في ثلاث محطات، هي:

●            أستاذ بالتعليم الثانوي؛

●            باحث في مركز الدراسات الرشدية؛

●            أستاذ مؤطر بالمدرسة العليا للأساتذة.

مؤكدا على أن المرحوم مساعد ظل في كل هذه المحطات باحثا يطال نظرُه النصوص، ويتفحص النصوص الإسلامية قارئا غير متسرع لهذه النصوص التراثية، معترفا بأن تجربة المرحوم كأستاذ بالتعليم الثانوي تجربة غنية، حيث كان عضوا في الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، وكاتبا في مجلتها. وكانت له ملاحظات فيما كان يدرس في مقرر الفلسفة بالثانوي، ورغبة ماسة في إدخال نصوص الفلسفة الإسلامية خصوصا في مجزوءة الطبيعة التي كان يريد اغناءَها بنصوص فلسفية إسلامية؛ خاصة نصوص ابن رشد حول القول الطبيعي.

وبعد انتقاله إلى مركز الدراسات الرشدية الذي كان عضوا نشيطا فيه، راهن عليه أستاذُه جمال الدين العلوي والأستاذ محمد ألوزاد في إخراج نصوص ابن باجَّة وابن طفيل وابن رشد، لكن قدر المركز أن يغادر رواده سريعا إلى دار البقاء، جمال الدين العلوي سنة 1992، ومحمد إبراهيم ألوزاد سنة 2002 ومحمد مساعد 2016، والأمل يحدوهم في تكوين الخلف الذي يكمل المشاريع التي بدأوها في مركز الدراسات الرشدية. خصوصا وأن المرحوم محمد مساعد الأستاذ، كما جاء في شهادة الأستاذ محمد أبو حفص، كان باحثا مدققا ومحققا للنصوص التراثية، مساهما في أعمال جماعية؛ مثل مساهمته في إخراج كتاب "القياس لأبي بكر ابن باجَّة"، وكتاب "ارتياض في التحليل" لأبي بكر بن باجَّة. وأعمال فردية، مثل تحقيقه وإخراجه لكتاب "شروح الآثار العلوية" لأبي بكر بن باجَّة. وقد تمتع المرحوم محمد مساعد، بحسب ما يصرح به صديقُه الأستاذ محمد أبو حفص، بحس نقدي وحدس كبير في تصويب العبارة في النصوص المحقَّقة قل نظيره، معترفا بقدرة المرحوم على تصويب المعضلات التي كانت تصادف الباحثين في مركز الدراسات الرشدية. من خصاله الأخلاقية، التي قلَّ نظيرها، احترامه أيَّما احترام أساتذته وكل أعضاء المركز، حيث كان مسالما في تعامله، وقليل الكلام، وعندما يتكلم يفيد.

وفي علاقته بطلبته، أكد الأستاذ محمد أبو حفص أن المرحوم محمد مساعد كان يشجع طلبته على خوض غمار البحث في الفلسفة الإسلامية، حيث كان يراهن على تكوين الخلف في الفلسفة الإسلامية، وكان له الفضل في خوض مجموعة من الباحثين غمار هذا المسار البحثي. وقد حافظ المرحوم على هذا النهج حتى في مرحلة تدريسه بالمدرسة العليا للأستاذة، ومحافظا على مشروعه الفكري الذي استمده من مركز الدراسات الرشدية، رغم انفتاحه على قضايا أخرى؛ مثل التربية والسياسة.

بعد شهادته في حق المرحوم، انتقل الأستاذ محمد أبو حفص إلى التنويه بالعمل الذي قام به الأستاذان حاتم أمزيل ومحمد لشقر؛ والمتمثل في نظره في عدم الاقتصار على جمع المقالات وتقديم المرحوم مساعد ككاتب مقالات فقط، بل عملا على تقديم عمل المرحوم كمشروع فكري متكامل، حيث قاما ببسط الكلام في مقدمتهما للكتاب حول مجمل ما ألفه المرحوم، واندراجه في مشروعه الفكري ككل. حيث ذكَّر الأستاذ محمد أبو حفص الحضور بأن أربع عشرة مقالة التي تشكل هذا الكتاب، كتبت في أزمنة مختلفة ونشرت في منابر مختلفة، بالإضافة إلى أنها مخصصة لأعلام فلسفية مختلفة؛ كالكندي وابن سينا والغزَّالي وابن باجَّة وابن رشد، … إلخ.

لكن رغم تباين أزمنة نشرها وتعدد أعلامها، إلا أن هناك خيطا ناظما يجمعها، يتمثل في كونها تصب جميعها في بناء مشروع فكري يصب في خانة إعادة النظر في مشروع الفلسفة الإسلامية، ومراجعة وإعادة النظر في الأحكام السائدة في قراءة التراث، والتي أصبحت بمثابة مسلمات عند البعض.

إن مقالات هذا الكتاب، حسب الأستاذ محمد أبو حفص، لا تطرح أسئلةً ولا تعالج إشكالاتٍ فقط، بل تطرح مشاريعَ فكرية، وهي تبين تقليد الأستاذ محمد مساعد الذي أخذه عن أستاذه جمال الدين العلوي، والذي نجده حاضرا عند ابن رشد؛ والمتمثل في طريقة معالجته للقضايا. فعند معالجته لقضية من القضايا يركز على أحد جوانبها، يحرص على جعل الجانب الآخر مشروعَ بحث سيعود له فيما بعد، أو يدفع الباحثين المهتمين إلى الشروع فيه. وهو ما يجب على الطلبة الانتباه له عند قراءة كتب المرحوم محمد مساعد، ولباقي الرواد المليئة بالمشاريع البحثية من أجل استكمال البحث فيها. تؤكد هذه الفسح البحثية التي تثيرها كتابات المرحوم محمد مساعد، في نظر الأستاذ أبي حفص، أن المرحوم كان يستنير بنور أستاذه جمال الدين العلوي وبنور ابن رشد.

ثم يتساءل الأستاذ محمد أبو حفص عن وجه الجدَّة في هذه المقالات؟ مؤكدا أن جدتها تتمثل في إعادة النظر في مجموعة من الأحكام؛ مثل حكم الفصل بين الفلسفة المغربية والفلسفة المشرقية، وهو الحكم الذي رفضه الأستاذ مساعد بحكم تأثر فلاسفة الغرب الإسلامي بفلاسفة المشرق. كما أعاد النظر في الصورة النمطية التي ترى بأن بداية اشتغال ابن رشد بالفلسفة، تعود إلى لقائه بالخليفة الموحدي عبر وساطة ابن طفيل، والنقاش الذي دار بينهم حول السماء: هل هي قديمة أم محدثة؟؛ لأنه لا يعقل أن يجيب ابن رشد عن أسئلة الخليفة الفلسفية دون أن يكون على اطلاع واسع على هذه الفلسفة ومشتغلٍ بها، مما يعني أن هموم ابن رشد الفلسفية سابقة على هذا اللقاء.

  • ملاحظات نقدية حول مقدمة العمل:

اختتم الأستاذ محمد أبو حفص مداخلته بتوجيه ملاحظات نقدية حول مقدمة العمل، مؤكدا أن موسوعية محمد مساعد وخبرته بأعلام الفلسفة الإسلامية، وبالسير وبكتب الطبقات والرجال، جعلته يردد دائما عبارة: "حسب ما وصل إليه علمُنا في هذا الموضوع" التي تؤكد تواضع الباحث وإيمانه بنسبية ما يكتب حول أعلام الفلسفة الإسلامية؛ وهي العبارة التي يحاكم بها الأستاذ محمد أبو حفص بعض العبارات القوية في مقدمة الكتاب، التي لو قرأها المرحوم مساعد، حسب الأستاذ أبو حفص، لطلب إعادة النظر فيها، مثل:" أن الأستاذ مساعد أنجز فتحا جديدا"، وكذا: "الأستاذ مساعد حقق ثورة"، وعبارة: أن "المستدرك يشكل كمالا أخيرا". يتفحص الأستاذ محمد أبو حفص عبارة "المستدرك يشكل كمالا أخيرا"، مشيرا إلى أن الكمال الأخير لا يتم إلا باكتشاف جميع الكتب المفقودة وإخراجها. وما دامت كتب ابن رشد لم تخرج بعد، وخير دليل هو اكتشاف نص كان مفقودا، وتحقيقه من طرف الباحث مارون عواد، وهو "تلخيص ما بعد الطبيعة"، فإنه يجب إعادة النظر في عبارة "المستدرك يشكل كمالا أخيرا"؛ لإنه في ظل هذا الكشف الذي حققه مارون عواد، يتبين أن "المستدرك" نفسه يحتاج إلى مستدرك آخر. وبذلك فالقول باكتمال المشروع الرشدي، قول غير سليم في ظل عدم التطرق لكل أقوال ابن رشد الفلكية والطبية.

يختم الأستاذ محمد أبو حفص مداخلته بالتأكيد على أن القيمة العلمية للأستاذ محمد مساعد قائمة، ومساهمته غنية، لكن أعماله لا تشكل قولا أخيرا، بل تظل مجرد وجهات نظر قابلة للنقاش.

  • المداخلة الثالثة: الأستاذ شفيق اكريكر -المدرسة العليا للأساتذة - مكناس

المداخلة بعنوان: "الفيلسوف والملل المخالفة، بناءً على الفصل الحادي عشر من الكتاب محمد مساعد: "ابن رشد والفلسفة العربية الإسلامية: نحو قراءة مغايرة" المعنون بـ"ابن رشد والملل المخالفة". استهل الأستاذ شفيق اكريكر حديثه بالتأكيد على أن كتاب المرحوم مساعد يشكل قراءة مغايرة، ليس فقط على مستوى جدة في المنهج، بل كذلك على مستوى ما يقترح من جدة في الموضوعات، كما يطرح فُسحا بحثية ثمينة للباحثين في الفلسفة الإسلامية، فهو كتاب برمجي على حد تعبير الأستاذ شفيق اكريكر؛ لأنه يبسط للباحثين مشاريع بحثية ثمينة، عليهم الانتباه لها والعمل على تطويرها واستكمال البحث فيها. وهو ما قام به الأستاذ شفيق اكريكر حيث التقط الإشارة من فصل "ابن رشد والملل المخالفة" التي يقول فيها المرحوم مساعد: "ولقد أقصينا، من هذا القول أيضا، أمرا آخر نأمل أن نعود إليه في وقت آخر، إن ساعد العمر والزمان … فضلا عن مقابلته بقراءات نظرائهم من أهل الديانات الأخرى، وخاصة لدى موسى بن ميمون وابن كمونة من اليهود" (ابن رشد والفلسفة العربية الإسلامية: نحو قراءة مغايرة، ص 213)، بقصد إبراز حضور الملل المخالفة عند ابن رشد ونظيره في الملة اليهودية ابن ميمون. فكيف يفهم الفيلسوف التعددية الدينية؟ كيف تحضر الملل الأخرى عند ابن رشد؟ وكيف تحضر عند ابن ميمون؟ وكيف ينظر لهذه الملل المخالفة؟

 يرى الأستاذ شفيق اكريكر من خلال مقارنته بين مقاربة كل من ابن رشد وابن ميمون للملل الأخرى، أن ابن رشد كان متسامحا مع الملة، وداعيا إلى تمتيعها بأفضال التأويل؛ عن طريق تأويلها على الوجه الذي يجعلها موافقة للحق. فهل ينسحب هذا على الملل الأخرى، فنفترض أن لها حقانية مبدئية؟ وجوابا على هذا السؤال، يرى الأستاذ شفيق اكريكر أن الفيلسوف أقدر، مبدئيا على الأقل، على النظر إلى الملل المخالفة بشيء من التسامح والتفهم؛ لأن الفيلسوف يحرص على التعاطي الفلسفي مع الملل الأخرى والتسامح معها، وإرجاع الاختلاف الحاصل معها الى اختلاف في الأنظار فقط لا اختلاف في العقيدة. وهنا يظهر، ما يسميه المرحوم محمد مساعد، التعامل الفلسفي الكلامي مع الملل الأخرى؛ مميزا له عن التعامل الأيديولوجي الديني مع الملل المخالفة. فما الذي وجده المرحوم مساعد عند ابن رشد فيما يتعلق بالملل الأخرى، يتساءل الأستاذ شفيق اكريكر؟ 

يتوقف المرحوم مساعد في بحثه على حضور الملل المخالفة عند ابن رشد في ثلاثة كتب هي: "مناهج الأدلة"، و"تهافت التهافت"، وفي "شرح السماء والعالم"، و"تفسير ما بعد الطبيعة"، دون الانفتاح على الكتب الفقهية لابن رشد التي تحضر فيها العقيدة بوصفها وضعا قانونيا. حيث يثبت أن نظرة ابن رشد للملل المخالفة هي نظرة فلسفية موضوعية، ليس فيها تخطئة ولا مفاضلة، مقدما أمثلة عن محاولة ابن رشد تقريب وجهات نظر الملل في بعض الأمور؛ منها على سبيل المثال لا الحصر: قول الملل الثلاثة بحدوث العالم وفساده، واتفاقهم في الكثير من القضايا الأخرى.

إن تعاطي ابن رشد المتسامح مع الملل المخالفة يشوبها استثناءان، حسب الباحث شفيق اكريكر، "يطابق فيهما ابن رشد في مسألة الذات والصفات بين موقف الأشاعرة والنصارى في قولهم بالتثليث؛ لأنهم اعتقدوا أن الأقانيم جواهر غير قائمة بغيرها، وإنما قائمة بنفسها كالذات، وفي موضع آخر قام بتأويل التثليث على أن الصفات أو الأقانيم هي الذات. الاستثناء الأول ورد في "الكشف عن مناهج الأدلة" حيث اعتبر ابن رشد هذا التثليث كفرا. والاستثناء الثاني ورد في كتاب "تفسير ما بعد الطبيعة"، حيث أصر ابن رشد على أن القائلين بالتثليث يلزمهم القولُ بالكثرة في الذات الإلهية مثل الأشاعرة. يستنتج المرحوم مساعد أن ابن رشد واصل حواره الفلسفي مع الملل المخالفة، ولم يحد عن هذا النهج كي لا ينزلق إلى شيء قد يقوده إليه مخالفتُه لهم". فكيف تحضر الملل المخالفة عند ابن ميمون؟

خلافا للمقاربة الفلسفية الموضوعية التي تعامل بها ابن رشد مع الملل المخالفة، يرى المرحوم مساعد أن ابن ميمون ينهج مقاربة أيديولوجية دينية في التعاطي مع الملل المخالفة، وعندما تكون المقاربة كلامية تكون دفاعية؛ تهدف إلى الدحض والتزييف. ويعود أصل هذا الاختلاف إلى كون ابن رشد ينظر إلى الملل الأخرى نظرة الملة الغالبة التي تمكّن من التعبير عن موقفه النقدي تجاه الملل المخالفة من موقف قوة. خلافا لنظرة ابن ميمون الذي لم يحظ بهذا الامتياز، يتحدث من موقف الملة الضعيفة. إن نظرة ابن ميمون للملل المخالفة محكوم بموقف قبل فلسفي، إنه موقف وجودي، موقف يتعلق بوجود الذات وخطر زوالها. إن تاريخ العالم، حسب الباحث شفيق اكريكر هو تاريخ معاداة شعب الله، وكل الأحداث والديانات اللاحقة داخلةٌ في سردية المعاداة هذه. لهذا نجده يصنف كل الملل المخالفة في صنف الملل الجاهلة، ويعتبر أن الملة والشريعة هي واحدة؛ وهي التي جاء بها موسى، وكل ما سواها هي بدع وتقليد باهت فاشل للملة اليهودية، وكل الأنبياء اللاحقون عن سيدنا موسى ليسوا سوى أنبياء كذبة. 

يخلص الباحث شفيق اكريكر إلى أن الأمل الذي كان يحدو المرحوم محمد مساعد؛ بأن يجد عند المخالفين حضورا للملل الأخرى كما هي حاضرة عند ابن رشد، تم تخييبه من خلال تقصي هذا الحضور عند ابن ميمون، والذي كانت مقاربته للملل المخالفة مقاربة دينية ايديولوجية، تقوم على التكذيب والتزييف، رغم وجود استثناءات كحدوث العالم؛ لأنه ينطلق من أرضية الملة الضعيفة.

  • كلمة الأستاذين حاتم أمزيل ومحمد لشقر بوصفهما جامعي ومراجعي ومقدمي الكتاب:

أولا: كلمة الأستاذ حاتم أمزيل، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله- فاس:

استهل الأستاذ حاتم أمزيل كلمته باستعراض لقاءاته بالأستاذ مساعد، حيث يعود أول لقاء إلى سنة 1997 أيام الجامعة، وهو طالب بكلية الآداب بفاس، عندما نظَّم وهو طالب نشاطا بكلية الآداب، ووجه الدعوة إلى الأستاذ مساعد للاسهام فيه، وما كان من المرحوم إلا أن لبى نداء الطلبة وحضر للنشاط. أما اللقاء الثاني فكان بالمدرسة العليا بسلك التبريز كمدرس له.

ونظرا للانطباع الذي تركه الأستاذ مساعد في نفسه وفي نفس كل طلبته، ونظرا للمكانة التي يحتلها الأستاذ مساعد، فكر الأستاذ حاتم أمزيل بمعية الأستاذ محمد لشقر في الاحتفاء بنصوص أستاذهما، وجمع مقالاته التي ظلت منشورة في مجلات أكاديمية؛ كمجلة المدرسة العليا للأساتذة، ومجلة صورة، ومجلة كلية وجدة …؛ وهي مجلات أكاديمية غير متاحة لجميع القراء، ويصعب على الجميع الحصول عليها والوصول إليها، لهذا ارتأى الأستاذان حاتم ولشقر البحث عنها وجمعها وتقديمها ونشرها.

يعترف الأستاذ حاتم أمزيل خلال قراءته لهذه النصوص التي تم جمعها، بالحس النقدي الذي يمتاز به الأستاذ محمد مساعد، والمتمثل في إعادة النظر في مجموعة من الأحكام السابقة حول الفلسفة الإسلامية وحول ابن رشد؛ مثل لقاء ابن رشد بالخليفة عبر وساطة ابن طفيل، وهي الحكاية التي تردد على لسان الباحثين دون فحص وتدقيق؛ وهي الحكاية التي فحصها المرحوم مساعد عبر العودة إلى نصوص ابن رشد مثل التلاخيص والشروح …، حيث يقف عند وجود بعض النصوص غير مهداة ونصوص مهداة. النصوص المهداة تعني أنها تكتب تحت الطلب، مما يعني أن ابن رشد أنجز أبحاثه الفلسفة بطلب من الخليفة، خلافا للنصوص غير المهداة التي لم تكن تحت الطلب، بل هي اهتمام رشدي حتى قبل لقائه بالخليفة، كتبها ابن رشد خارج البلاط الموحدي، وبعيدا عن اهتمامات السياسة.

إن المرحوم محمد مساعد بهذا الفحص يحاول التحذير من الحكم الذي يرى بأن التفكير الفلسفي في الحضارة الإسلامية مرتبطٌ بالحماية السياسية؛ كما تجلى ذلك في حلم المأمون، لأن القول بأن فلسفة ابن رشد واهتمامه بالفلسفة بدأ بلقائه مع الخليفة بوساطة ابن طفيل، يرجعنا إلى حلم المأمون والعمل على ترجمة كتب الفلسفة بطلب سياسي، وهذا ما رفضه الأستاذ مساعد.

ثانيا: كلمة الأستاذ محمد لشقر، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة مولاي اسماعيل -مكناس

استهل الأستاذ محمد لشقر كلمته بالحديث عن الوازع الذي دفعه إلى جمع مقالات الأستاذ محمد مساعد والعمل على نشرها، وهذا الوازع أخلاقي من جهة؛ بوصفه عرفانا وامتنانا بأفضال المرحوم على الباحثين في الفلسفة الإسلامية، الذي يعتبر الأستاذ لشقر واحدا منهم، بل يعترف الأستاذ لشقر بتأثير المرحوم مساعد عليه منذ أول لقاء به سنة 1992، وهو تلميذ بثانوية ابن رشد بفاس، وبحثي من جهة ثانية؛ يتمثل بالدفع بالبحث عن الرشدية إلى أفق أعلى، خصوصا وأن كتابات الأستاذ مساعد كتابات قليلة: "العالم بين التناهي واللاتناهي لدى ابن رشد" الذي صدر سنة 2013؛ وهي أطروحة دكتوراه نوقشت سنة 2005 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس، تحت إشراف الدكتور أحمد العلمي حمدان. وكتاب "بين مثابتين: منزلة الغزالي في فلسفة ابن رشد"، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة الذي صدر سنة 2014، وهو رسالة دبلوم الدراسات العليا تحت إشراف جمال الدين العلوي. وبعد وفاته صدر له كتاب "المستدرك على المتن الرشدي"، دفاتر مختبر الفاعليات الفلسفية والاجتماعية والثقافية، العدد 3، منشورات المدرسة العليا للأساتذة جامعة مولاي إسماعيل 2017، وكتاب "ابن رشد والفلسفة العربية الإسلامية: نحو قراءة مغايرة"، منشورات مركز روافد للدراسات والأبحاث في حضارة المغرب وتراث المتوسط، سنة 2023.

بعد عرضه لمنجز الأستاذ محمد مساعد، سينتقل الأستاذ محمد لشقر للرد على بعض ملاحظات الأستاذ محمد أبو حفص، وبالخصوص تعليقه على جملة "المستدرك يشكل كمالا أخيرا" التي وردت في التقديم، وليبين أن القصد منها ليس ما ذهب إليه الأستاذ أبو حفص من كونها تعني أن هذا المستدرك يشكل كمالا في جمع وتحقيق وتوثيق المتن الرشدي، وهو أمر مرفوض؛ خصوصا وأن كتابات ابن رشد لم يتم إخراجها كلها، بل المقصود به هو كمال أخير عند المرحوم مساعد؛ لأنه يعد آخر ما أنجزه المرحوم قبل وفاته.

أما مفهوم "الثورة" فلا يقصد بها الدلالة الحدية التي ألصقت بالمفهوم، بل المقصود به ما قام به محمد مساعد خلافا لكل الباحثين في فلسفة ابن رشد، بإضافة الكتب الموضوع مثل تهافت التهافت، وكشف مناهج الأدلة وغيرها … في خانة المختصرات؛ وهي تشكل ثورة بحثية عند مساعد. ما هي القيمة المضافة لهذا الفعل؟ تتمثل قيمة هذا الفعل عند الأستاذ مساعد في إزالة الطابع المرحلي لكتابة المختصرات عند ابن رشد. فإذا كان المتعارف عليه هو أن المختصرات عند ابن رشد تميز المرحلة الأولى في اشتغاله الفلسفي، فإن الأستاذ مساعد يعيد النظر في هذا القول وسيزيل عن المختصرات هذا الطابع المرحلي، بتأكيده أن ابن رشد دائم العودة إلى المختصرات في كل مراحل حياته الفكرية. حيث رفض اختزال كتابة المختصرات في بداية حياة ابن رشد الفكرية، ورفض التقسيمات لحياة ابن رشد إلى ابن رشد الشاب، وابن رشد الناضج، وابن رشد الشيخ، فالمختصرات تخترق حياة ابن رشد الفكرية في كل مراحل حياته. إن رشدية الأستاذ مساعد تكمن في البحث عن تشكل الفلسفة الرشدية … إن الأستاذ مساعد لم ينخرط في القراءات الإيديولوجية للفلسفة الإسلامية، وكان تعاطيه منهجيا مع المتن الرشدي بالالتزام بقراءة ابن رشد نصا نصا؛ مرتكزا على الجانب الكرونولوجي.

  • مناقشة:

اختتم اليوم الدراسي بفتح باب المناقشة أمام الحضور الكريم، سنقف عند تدخل مهم للغاية؛ هو تدخل الأستاذ محمد مزوز الذي قدم شهادة ونقدا في حق زميله المرحوم محمد مساعد.

في شهادته في حق المرحوم مساعد، اعترف بصداقته بالمرحوم، حيث كان لقاؤه الأول به يوم كانا طالبين بكلية الآداب ظهر المهراز فاس سنة 1984، يستكملان دراستها في سلك "استكمال الدروس" آنذاك، تحت إشراف الأستاذ جمال الدين العلوي، حيث كان المرحوم مساعد أستاذاً للثانوي التأهيلي بميسور. لقد ظل الأستاذ مساعد الشخص الذي التقيته أول مرة، هو الشخص الذي التقيته آخر مرة لم يتغير مطلقا.

لقد كانت للفلسفة فضل على الأستاذ مساعد؛ لأنها غيرته من شخص عاش طفولة متمردة إلى شخص زاهد وورع في الجمال الفلسفي، حيث وهب حياته للفلسفة بشكل مطلق، بحيث كان في جده وهزله، في المدرسة العليا للأساتذة وفي المقهى وفي المنزل منقطعا رأسا إلى الفلسفة، حتى صار في آخر حياته رشديا خالصا.

أما فيما يتعلق بنقده للأستاذ مساعد، فالأستاذ مزوز يقر بأن إدخال الكتب الموضوعة عند ابن رشد في خانة المختصرات ليس مقنعا، ولا يمكن الاتفاق مع المرحوم مساعد في هذه النقطة؛ لأن المختصر هو مختصر لكتاب ما وليس شكلا من أشكال الكتابة فقط.

يوم دراسي عن كتاب ابن رشد والفلسفة العربية محمد مساعد


1674 مشاهدة

ما رأيك ؟
يهمنا مشاركة رأيك
تسجيل الدخول ك زائر

كلمة 0/1000


التعليقات 0

لا توجد تعليقات حتى الآن

شارك الموقع عبر وسائل التواصل