إنَّ التحاور والجدال الديني بين معتنقي الديانات السماوية أو غيرها من النحل الأخرى، يعد بحق سمة من سمات الرقي الحضاري، ورمزاً من رموز القبول والاعتراف بالآخر، ووسيلة ًمن وسائل تدبير الاختلاف معه، مهما كان دينه ومعتقده؛ بل هو العامل الأساس لتأسيس رؤية صحيحة عن هذا المخالف ومعتقدِه، والوقوف على عناصر الائتلاف والاختلاف معه، مما يسمح لكل طرف من أطراف هذا الجدال والتحاور بإصدار حكم صحيح عن الآخر؛ بعيداً عن الانزواء إلى الصور النمطية والجمود على الأحكام المسبقة عليه.
ولأجل هذا، انخرط المسلمون مبكراً في هذا التحاور والجدال الديني مع المخالفين؛ كطريق للتعايش السلمي معهم من جهة، وكوسيلة للدفاع عن صحة الدين الإسلامي، والدعوة إليه بأسلوب قائم على الإقناع والاقتناع، وقرع الحجة بالحجة من جهة أخرى.