هذا الكتاب يتحدث عن بناء مدخل (منهجي) نقدي لتحقيق النص التراثي، ولست بحاجة إلى أن تقلب صفحات البحث، أو تتقدم فيه، لتعرف أنه ينهض على أصل علمي نظري مؤدَّاه الربط بين تحقيق النص وقراءته بالمفهوم النقدي الحديث للقراءة». إنه سينقلنا إلى ما نحتاج إليه من التفاعل المنهجي بين التحقيق وغيره من معطيات النظريات والمقاربات العلمية التي تنتمي إلى حقول معرفية أخرى. وهذا ما نجده في المقالات الخمسة التي يضمها الكتاب، فقد رأينا رأي العين ذلك الهاجس الملح الذي أخذ على الرشدي مجامعه. ففي المقالة الأولى كانت مناقشة فكرة التأسيس لبناء علاقة وثيقة بين فعل التحقيق، وفعل القراءة بالمفهوم النقدي الحديث للمصطلح. وفي المقالة الثانية انطلق الهاجس ليتوقف عند الخطوة الأولى من خطوات التحقيق، وهي الاختيار، ويربط مجددا بين هذه الخطوة الإجرائية الافتتاحية وأسسها، والقراءة. ويدلف في المقالة الثالثة إلى العتبات الرئيسة للنص العنوان واسم مؤلفه ونسبته، ليرى أن هذه العمليات المحكومة - بلا شك - بسلطة القاعدة تقع - على حد تعبيره - في صميم التلقي والقراءة». أما المقالة الرابعة (الممتعة) فإنها تدخلنا في سؤال كبير، سؤال تعدد التحقيقات أو تعاقبها... أما في المقالة الخامسة فإنه يضعنا في قلب النص، متجاوزا تأسيس العلاقات وتوثيق العتبات وإشكال تعدد التحقيقات، ليقرأ في قراءة تشريحية إشكالات التحقيق والتوثيق للشاهد النحوي الشعري داخل نص من القرن الرابع الهجري. لقد أمسك الرشدي في سعيه لبناء المدخل المنهجي لتحقيق النص التراثي بخيطين: النظر والتطبيق، إذ كان واعيا بأن هذا البناء لا يقوم إلا عليهما معا.