سندس الزهراء في تراجم نساء الصحراء
- المؤلف : فدوى اجمولة
- المحقق : --
- عدد الأجزاء : 1
- عدد الصفحات : 283
- تاريخ الإصدار : 2021
نبذة عن المنشور
يأتي كتاب "سندس الزهراء في تراجم نساء الصحراء" للدكتورة فدوى اجمولة، لينفض الغبار عن عالمات الصحراء، ويذكرنا بأن هذه المناطق القاحلة والمنفرة، أنجبت عالمات لهن صيت ذائع في مجتمع ذكوري تغلب عليه الرواية الشفهية بالدرجة الأولى. ولا يخفى على كل باحث ما يمثله هذا العمل العلمي من قيمة مضافة لكل الأعمال التي أنجزت حول المجال الصحراوي. فالدكتورة فدوى اجمولة، تصبو من خلال كتابها هذا رصد جوانب من سير أعلام الصحراء النسائية اللواتي وأد المجتمع الذكوري أعمالهن في الرمال، فصرن نسيا منسيا. غطت محاور هذا الكتاب مجالا زمنيا ممتدا من فترة المرابطين مرورا بعصر السعديين وانتهاء بعصر العلويين، كما يعتبر المجال الصحراوي بما فيه الصحراء المغربية الجنوبية، وبلاد شنقيط وكذا المناطق التي هاجرت إليها بعض القبائل الصحراوية (حوز مراكش وسوس...) المكان والقبيلة اللذان تنتمي إليهما العالمات موضوع الدراسة. واعتمدت كذلك الدكتورة فدوى على مضامين التراجم من مصادر متعددة ومتباينة الأصناف، ككتب التراجم، والسير، وكتب الأنساب، والإجازات، والأطروحات، والمعلمات، والمؤلفات الحديثة الطبع... فلا تخفى على الجميع المكانة التي تبوأتها المرأة العالمة عبر التاريخ في المجتمع الصحراوي الذي أنجب عالمات بل رائدات في الاستشارة السياسية، والسلطوية،كخناثة بنت البكار، والسيدة خدوج الملقبة ب "الدموج" السباعية زوجة السلطان سيدي محمد بن عبد الله العلوي، ومنهن من أسس محاظر (مفرد محظرة) أسرية كفاطمة الزهراء بنت محمد المختار الجكني، والناصرة بنت بابابنحمدي الشمس الحاجية، والغالية بنت إبراهيم السباعية التي تتلمذ على يدها ابنها العالم الكبير عبد الله الجراري السملالي، والسيدة الأديبة سعاد ماء العينين، وغيرهم من عالمات الصحراء. وقد نشأت تلك العالمات في مجتمع تهيمن فيه الرواية الشفهية، والعقلية الذكورية التي تختلف من قبيلة إلى أخرى حسب تراتبيتها الاجتماعية، فنجد أن الزوايا (حملة الكتاب) سهروا على تدريس فتياتهن، في حين أن بنو حسان (حملة السلاح) لم تستفد بناتهن من التدريس، إلا بعض شيوخ القبائل الذين استقطبوا فقهاء من الزوايا وأسسوا لهم محاظر (مفرد محظرة) أسرية ليعلموا أولادهم علوم الدين، ومنهم من تصاهر مع شيوخ الزوايا (كالشيخ ماء العينين)، وكانوا كذلك يرسلون إليهم أبناءهم للتفقه والنهل من العلوم الدينية على أيديهم. كما أن عالمات الصحراء لم يكْتَفِين بالتفقه في الدين، بل أبْدَعْن كذلك في الشعر الخاص بهن "التبراع"، حيث يتغزلن في محاسن الرجال وشجاعتهم وكرمهم ونبلهم. وهذا الشعر يتميز بالاقتضاب والكثافة والقصر، كما يمتاز بالوضوح والبساطة في نظمه، وهو غير مقتصر على العالمات، بل تبدع فيه مختلف النساء. فشعر "التبراع" هو كما أكد الباحثون في هذا الصدد هو "تعبير عن المشاعر العميقة، والمحظورة أحياناً". وهنا يمكن أن نلمس روح التحدّي التي تتَّسم بها المرأة الصحراوية، فسواء سمح لها مجتمعها بأن تتغزَّل بالرجل أم لم يسمح، لن تنتظر هي في المقابل هذا الجواز الاجتماعي كي تُبْدِع تَبْريعاتها. كما أن هذا الشعر النسائي لم يكن محصوراً في الغزل فقط، بل عرف امتداداً ذا طابع اجتماعي وديني، وأحياناً سياسي. إن ما يحتاجه فن "التبْراع" اليوم هو، في الأساس، جمع النصوص الشعرية لهذا التراث النسائي. وقد خلفت نساء الصحراء تراثا شفهيا كبيرا ضاع في تخوم الصحراء الشاسعة، كما ضاع بحكم الترحال المسترسل للقبائل، والحروب القبلية، وأصبح يتلاشى بحكم الزمن والظروف، وضاع بانقراض الذاكرة التي حفظته وصانته في مجتمع شفهي. وما يميز هذا الشعر النسائي أنه مجهول المصدر (صاحبة التبْريعة) في الغالب، كما أن الذاكرة الذكورية لم تعره أي اعتبار، باستثناء فئة "اكًاون" التي مازالت تردده في مجموعاتها الغنائية. إن الحاجة إلى التعريف بتراجم عالمات الصحراء هي من الأمور الملحة في وقتنا الراهن؛ نظراً لقلة الكتابات عنهن، ولارتباط هذه الشخصيات بأحداث تاريخية ضمن السياق التاريخي المغربي الصحراوي والإسهامات العلمية، والفقهية، والتعليمية، واتخاذ القرار في مجتمع ذكوري مهيمن، تجعل الباحثين كمنقبين على معدن نفيس في ذاكرة متحجرة تختزل فقط للرجال دون النساء. ما يزال موضوع عالمات الصحراء في أمس الحاجة إلى مزيد من البحوث والدراسات لإماطة اللثام ولنفض الغبار عن العديد من هذه الرموز الأنثوية التي تغافلها المؤرخون وتناساها المجتمع الذكوري الصحراوي. وفي الأخير أهنئ الكاتبة الدكتورة فدوى اجمولة على هذا الإنجاز العلمي القيم، وأتمنى لها التوفيق والسداد في إكمال هذا المسار البحثي حول عالمات الصحراء اللواتي لم تقف عليهن في بحثها هذا، وعرضت لائحة بأسمائهن كي تذكر الجميع أن البحث في تراجمهن مازال مستمراً. الرباط في 2 أكتوبر 2021م، الموافق لـ 25 صفر الخير 1443هـ الدكتور مولاي إدريس شداد معهد الدراسات الإفريقية جامعة محمد الخامس - الرباط -